كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر بذل وأخبارها

صفحة 53 - الجزء 17

٥ - ذكر بذل وأخبارها

  من مولدات المدينة ولها كتاب أغان

  كانت بذل صفراء مولَّدة من مولَّدات المدينة، وربّيت بالبصرة، وهي إحدى المحسنات المتقدّمات، الموصوفات بكثرة الرّواية، يقال: إنها كانت تغنّي ثلاثين ألف صوت. ولها كتاب في الأغاني منسوب الأصوات غير مجنّس، يشتمل على اثني عشر ألف صوت، يقال: إنها عملته لعليّ بن هشام. وكانت حلوة الوجه ظريفة، ضاربة متقدّمة، وابتاعها جعفر بن موسى الهادي، فأخذها منه محمد الأمين، وأعطاه مالا جزيلا، فولدهما جميعا يدّعون ولاءها. فأخذت بذل عن أبي سعيد مولى فائد ودحمان وفليح وابن جامع وإبراهيم، وطبقتهم.

  أروى خلق اللَّه للغناء

  وقرأت على جحظة، عن أبي حشيشة في كتابه الذي جمعه من أخباره وما شاهده، / قال:

  كانت بذل من أحسن الناس غناء في دهرها، وكانت أستاذة كلّ محسن ومحسنة، وكانت صفراء مدنية، وكانت أروى خلق اللَّه تعالى للغناء، ولم يكن لها معرفة.

  احتيال الأمين في أخذها

  وكانت لجعفر بن موسى الهادي، فوصفت لمحمد بن زبيدة، فبعث إلى جعفر يسأله أن يريه إيّاها، فأبى، فزاره محمد إلى منزله، فسمع شيئا لم يسمع مثله، فقال لجعفر: يا أخي، بعني هذه الجارية. فقال: يا سيّدي، مثلي لا يبيع جارية، قال: فهبها لي، قال: هي مدبّرة⁣(⁣١). فاحتال عليه محمد حتى أسكره، وأمر ببذل فحملت معه إلى الحرّاقة، وانصرف بها.

  / فلما انتبه سأل عنها فأخبر بخبرها، فسكت، فبعث إليه محمد من الغد، فجاءه وبذل جالسة فلم يقل شيئا.

  فلما أراد جعفر أن ينصرف قال: أوقروا حرّاقة ابن عمّي دراهم، فأوقرت.

  قال: فحدثني عبد اللَّه بن الحنينى - وكان أبوه على بيت مال جعفر بن موسى - أنّ مبلغ ذلك المال كان عشرين ألف ألف درهم.

  قال: وبقيت بذل في دار محمد إلى أن قتل، ثم خرجت، فكان ولد جعفر وولد محمد يدّعون ولاءها. فلما ماتت ورثها ولد عبد اللَّه بن محمّد بن زبيدة.


(١) المدبرة: المعتقة بعد الموت. وفي هامش أ: «المدبر من الرقيق: الذي يقول له سيده بعد الموت: أنت حر بعد دبر مني»، أي بعد وفاتي.