كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

غناء المنتصر

صفحة 205 - الجزء 9

  غناه إسحاق صوتا فتطير به:

  أخبرني جحظة قال حدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:

  دخلت يوما إلى الواثق وهو مصطبح، فقال لي: غنّي يا إسحاق بحياتك عليك صوتا غريبا لم أسمعه منك حتى أسرّ به بقيّة يومي. فكأن اللَّه أنساني الغناء كلَّه إلَّا هذا الصوت:

  يا دار إن كان البلى قد محاك ... فإنه يعجبني أن أراك

  أبكي الذي قد كان لي مألفا ... فيك فأتي الدار من أجل ذاك

  - والغناء في هذا اللحن للأبجر رمل بالوسطى عن ابن المكَّيّ وهو الصواب، وذكر عمرو بن بانة أنه لسليم - قال فتبينت الكراهية في وجهه، وندمت على ما فرط منّي. وتجلَّد فشرب رطلا كان في يده، وعدلت عن الصوت إلى غيره. فكان واللَّه ذلك اليوم آخر جلوسي معه.

  وممّن حكي عنه أنه صنع في شعره وشعر غيره المنتصر

  غناه المنتصر: فإنّي ذكرت ما روي عنه أنه غنّى فيه على سوء العهدة في ذلك وضعف الصنعة، لئلا يشذّ عن الكتاب شيء قد روي وقد تداوله الناس. فممّا ذكر عنه أنه غنّى فيه:

  صوت

  سقيت كأسا كشفت ... عن ناظريّ الخمرا

  فنشّطتني ولقد ... كنت حزينا خاثرا

  الشعر للمنتصر، وهو شعر ضعيف ركيك إلَّا أنه يغنّي فيه.

  كان متحلفا في قول الشعر ومتقدما في غيره وكان يغني قبل الخلافة:

  وحدّثني الصّوليّ عن أحمد بن يزيد المهلَّبي عن أبيه قال:

  كان طبع المنتصر متخلَّفا في قول الشعر وكان متقدّما في كل شيء غيره؛ فكان إذا قال شعرا صنع فيه وأمر المغنّين بإظهاره، وكان حسن العلم بالغناء. فلمّا ولي الخلافة قطع ذلك وأمر بستر ما تقدّم منه. من ذلك صنعته في شعره وهو من الثقيل الأوّل المذموم:

  سقيت كأسا كشفت ... عن ناظريّ الخمرا

  قال: ومن شعره الذي غنّى فيه ولحنه ثاني ثقيل:

  صوت

  متى ترفع الأيّام من وضعنه ... وينقاد لي دهر عليّ جموح

  أعلَّل نفسي بالرجاء وإنني ... لأغدو على ما ساءني وأروح