كتاب الأغاني وثناء أهل العلم والأدب عليه
كتاب الأغاني وثناء أهل العلم والأدب عليه
  قال أبو محمد المهلبي: سألت أبا الفرج في كم جمعت هذا الكتاب؟ فقال: في خمسين سنة، وإنه كتبه مرة واحدة في عمره، وهي النسخة التي أهداها إلى سيف الدولة بن حمدان فأعطاه ألف دينار. وبلغ ذلك الصاحب بن عبّاد فقال: «لقد قصّر سيف الدولة، وإنه ليستحق أضعافها؛ إذ كان مشحونا بالمحاسن المنتخبة والفقر الغريبة، فهو للزاهد فكاهة، وللعالم مادّة وزيادة، وللكاتب والمتأدّب بضاعة وتجارة، وللبطل رجلة وشجاعة، وللمضطرب(١) رياضة وصناعة، وللملك طيبة ولذاذة. ولقد اشتملت خزانتي على مائة ألف وسبعة عشر ألف مجلد ما فيها سميري غيره. ولقد عنيت بامتحانه في أخبار العرب وغيرهم فوجدت جميع ما يعز(٢) عن أسماع من قرفه(٣) بذلك قد أورده العلماء في كتبهم، ففاز بالسبق في جمعه وحسن وضعه وتأليفه».
  وذكر ابن خلكان أن الصاحب بن عباد كان يستصحب في أسفاره حمل ثلاثين جملا من كتب الأدب، فلما وصل إليه هذا الكتاب لم يكن بعد ذلك يستصحب غيره لا ستغنائه به عنها.
  وقال أبو القاسم عبد العزيز بن يوسف كاتب عضد الدولة: لم يكن «كتاب الأغاني» يفارق عضد الدولة في سفره ولا حضره، وإنه كان جليسه الذي يأنس إليه وخدينه الذي يرتاح نحوه.
  وقال ياقوت: ولعمري إن هذا الكتاب جم الفوائد عظيم العلم، جامع بين الجدّ البحت، والهزل النحت.
  وقال أبو جعفر محمد بن يحيى بن شيرزاد: اتّصل بي أن مسوّدة «كتاب الأغاني»، وهي أصل أبي الفرج، أخرجت إلى سوق الورّاقين ببغداد لتبتاع، فأنفذت إلى ابن قرابة، وسألته إنفاذ صاحبها لا بتاعها منه لي، فجاءني وعرّفني أنها بيعت في النداء بأربعة آلاف درهم، وأن أكثرها في ظهور وبخط التعليق، وأنها اشتريت لأبي أحمد بن محمد بن حفص؛ فراسلت أبا أحمد، فأنكر أنه يعرف شيئا من هذا؛ فبحثت كل البحث فما قدرت عليها.
  قال ياقوت: قرأت على ظهر جزء من نسخة «لكتاب الأغاني» لأبي الفرج: حدّث ابن عرس الموصلي، وكان المترسل بين عز الدولة وبين أبي تغلب بن ناصر الدولة وكان يخلف أبا تغلب بالحضرة، قال: قال كتب إليّ أبو تغلب يأمرني بابتياع «كتاب الأغاني» لأبي الفرج الأصبهاني، فابتعته له بعشرة آلاف درهم من صرف ثمانية عشر درهما بدينار، فلما حملته إليه ووقف عليه ورأى عظمة وجلالة ما حوى قال: لقد ظلم ورّاقه المسكين، وإنه ليساوي عندي عشرة آلاف دينار، ولو فقد لما قدرت عليه الملوك إلا بالرغائب، وأمر أن تكتب له نسخة أخرى ويخلد عليها اسمه، فابتدأ بذلك، فما أدري أتمت النسخة أم لا.
  وروى صاحب «نفح الطيب»: أنّ الحكم المستنصر أحد خلفاء بني أمية بالأندلس بعث في «كتاب الأغاني» إلى مصنفه أبي الفرج الأصفهاني، وكان نسبه في بني أمية، وأرسل إليه فيه بألف دينار من الذهب العين، فبعث إليه نسخة منه قبل أن يخرجه بالعراق.
(١) كذا بالأصل. وصوابه «وللمتظرف» عن «كتاب تجريد الأغاني».
(٢) كذا بالأصل. ولعلها «يعزب» بمعنى يغيب ويخفى.
(٣) قرفه بكذا: اتهمه به.