أخبار الزبير بن دحمان
١٩ - أخبار الزبير بن دحمان
  قدم على الرشيد من الحجاز والمغنون حزبان
  قد مضت أخبار أبيه، ونسبه وولاؤه في متقدّم الكتاب، وكان الزّبير أحد المحسنين المتقنين الرّواة الضّرّاب، المتقدّمين في الصّنعة، وقدم على الرشيد من الحجاز، وكان المغنون في أيّامه حزبين: أحدهما في حزب إبراهيم الموصليّ وابنه إسحاق، والآخر في حزب ابن جامع وابن المهديّ، وكان إبراهيم بن المهديّ أوكد أسباب هذا التّحزّب والتّعصّب لما كان بينه وبين إسحاق(١) وكان الزبير بن دحمان في حزب إسحاق، وأخوه عبيد اللَّه في حزب إبراهيم بن المهديّ(١).
  يغني الرشيد من غناء المتقدمين فيفضل أخاه
  فأخبرني محمد بن مزيد، قال: حدّثني حمّاد بن إسحاق، عن أبيه، قال:
  لما قدم الزّبير بن دحمان على الرّشيد من الحجاز، قدم رجل ما شئت من رجل؛ عقلا ونبلا ودينا وأدبا وسكونا ووقارا، وكان أبوه قبله كذلك، وقدم معه أخوه عبيد اللَّه(٢)، فما وصلا إلى الرشيد، وجلسا معنا، تخيّلت في الزّبير الفضل فقلت لأبي: يا أبت، أخلق بالزّبير أن يكون أفضل من أخيه، فقال: هذا لا يجيء بالظَّنّ والتّخيّل(٣)، والجواد إنّما يمتحن في الميدان، فقلت له: فالجواد عينه فراره(٤)، فضحك، وقال: ننظر في فراستك، فلما غنّيا بان فضل الزّبير وتقدّمه، فاصطفاه أبي واصطفيته لأنفسنا، وقرّظناه(٥) ووصفناه، وصار في حيّزنا.
  الرشيد يستعيده صوتا من صنعته ثلاث مرات
  وغنّى الرّشيد غناء / كثيرا من غناء المتقدّمين فأجاد وأحسن، وسأله الرّشيد أن يغنّيه شيئا من صنعته، فالتوى بعض الالتواء وقال: قد سمع أمير المؤمنين غناء الحذّاق من المتقدمين وغناء من بحضرته من خدمه، ومن وفد عليه من الحجازيّين، وما عسى أن يأتي من صنعتي؟ فأقسم عليه أن يغنّيه شيئا من صنعته، وجدّ به في ذلك، فكان أول صوت غنّاه منها:
(١ - ١) التكملة من ف.
(٢) ب: «عبد اللَّه».
(٣) «المختار»: «والتخمين».
(٤) المثل: «إن الجواد عينه فراره» في «مجمع الأمثال بترتيب الكرماني» - ٣٧ ط. طهران، وجاء فيه: الفرار - بالكسر - النظر إلى أسنان الدابة ليعرف قدر سنه، وهو مصدر، ومنه قول الحجاج: فررت عن ذكاء، ويروى فراره - بالضم - وهو اسم منه؛ يضرب لمن يدل ظاهره على باطنه فيغني عن الاختبار حتى لقد يقال: إن الخبيث عينه فراره.
(٥) ف: «وقرّبناه».