كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار موسى شهوات ونسبه

صفحة 240 - الجزء 3

  لم يكن بمكَّة أحد أظرف ولا أسرى ولا أحسن هيئة من الأبجر، كانت حلَّته بمائة دينار وفرسه بمائة دينار ومركبه بمائة دينار، وكان يقف بين المأزمين⁣(⁣١) فيرفع صوته فيقف الناس له يركب بعضهم بعضا.

  احتكم على الوليد بن يزيد في الغناء فأمضى حكمه:

  أخبرني عليّ بن عبد العزيز الكاتب عن [عبيد اللَّه⁣(⁣٢) بن] عبد اللَّه بن خرداذبه عن إسحاق، وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه، قالا⁣(⁣٣):

  / جلس الأبجر في ليلة اليوم السابع من أيام الحجّ على قريب من التّنعيم⁣(⁣٤) فإذا عسكر جرّار قد أقبل في آخر الليل، وفيه دوابّ تجنب وفيها فرس أدهم عليه سرج حليته ذهب فاندفع، فغنّى:

  عرفت ديار الحيّ خالية قفرا ... كأن بها لمّا توهمتها سطرا

  فلما سمعه من في القباب والمحامل أمسكوا، وصاح صائح: ويحك! أعد الصوت، فقال: لا واللَّه! إلا بالفرس الأدهم بسرجه ولجامه وأربعمائة دينار، فإذا الوليد بن يزيد صاحب / الإبل، فنودي: أين منزلك ومن أنت؟

  فقال: أنا الأبجر ومنزلي على باب زقاق الخرّازين، فغدا عليه رسول الوليد بذلك الفرس وأربعمائة دينار وتخت من ثياب وشى وغير ذلك، ثم أتى به الوليد فأقام عنده، وراح مع⁣(⁣٥) أصحابه عشيّة التّروية⁣(⁣٦) وهو أحسنهم هيئة، وخرج معه أو بعده إلى الشأم.

  خرج معه إلى الشأم:

  قال إسحاق: وحدّثني عورك اللَّهبيّ أن خروجه كان معه، وذلك في ولاية محمد بن هشام بن إسماعيل مكَّة، وفي تلك السنة حجّ الوليد، لأن هشاما أمره بذلك ليهتكه عند أهل الحرم، فيجد السبيل إلى خلعه، فظهر منه أكثر مما أراد به من التّشاغل بالمغنّين واللهو، وأقبل الأبجر معه حتى قتل الوليد، ثم خرج إلى مصر فمات بها.

  نسبة الصوت المذكور في هذا الخبر

  صوت

  عرفت ديار الحيّ خالية قفرا ... كأنّ بها لمّا توهّمتها سطرا

  وقفت بها كيما تردّ جوابها ... فما بيّنت لي الدار عن أهلها خبرا

  الغناء لأبي عبّاد ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو، وفيه لسياط خفيف رمل بالبنصر.


(١) المأزمان كما في ياقوت: جبلا مكة؛ وقال أهل اللغة: هما مضيقا جبلين؛ وقيل: هو اسم موضع بمكة بين المشعر الحرام وعرفة، وفي ذلك أقوال غير هذه.

(٢) الزيادة عن كتابه «المسالك والممالك».

(٣) في جميع الأصول: «قال» بالإفراد.

(٤) التنعيم: موضع بمكة في الحل، وهو بين مكة وسرف على فرسخين من مكة وقيل على أربعة، وسمى بذلك لأن جبلا عن يمينه يقال له نعيم وآخر عن شماله يقال له ناعم.

(٥) فيء: «إلى».

(٦) عشيّة التروية: عشية اليوم الثامن من ذي الحجة.