كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

البردان

صفحة 415 - الجزء 8

  ٩ - أخبار البردان

  كان متولي السوق بالمدينة وأخذ عن معبد وجميلة وعزة الميلاء

  : البردان لقب غلب عليه. ومن الناس من يقول: بردان من أهل المدينة، وأخذ الغناء عن معبد وقبله عن جميلة وعزّة الميلاء. وكان معدّلا مقبول الشّهادة، وكان متولَّي السّوق بالمدينة.

  قال هارون بن الزيّات حدّثني أبو أيّوب المدينيّ عن محمد بن سلَّام قال: هو بردان بضم الباء وتسكين الراء.

  أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر وحسين بن يحيى قالا حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه، وأخبرني عليّ بن عبد العزيز عن ابن خرداذبه قال قال إسحاق:

  كان بردان متولَّي السوق بالمدينة. فقدّم إليه رجل خصما يدّعي عليه حقّا؛ فوجب الحكم عليه فأمر به إلى الحبس. فقال له الرجل: أنت بغير هذا أعلم منك بهذا. فقال: ردّوه فردّ؛ فقال: لعلك تعني الغناء! إني واللَّه به لعارف؛ ولو سمعت شيئا جاء البارحة لا زددت علما بأني عارف، ومهما جهلت فإني بوجوب الحقّ عليك عالم؛ اذهبوا به إلى الحبس حتى يخرج إلى غريمه من حقّه.

  رآه سياط بالمدينة وأخذ عنه أصواتا

  : قال وحدّثني أبو أيّوب عن حمّاد عن أبيه عن ابن جامع عن سياط قال:

  رأيت البردان بالمدينة يتولَّى سوقها وقد أسنّ؛ فقلت له: يا عمّ، إني / رويت لك صوتا صنعته، وأحببت أن تصحّحه لي. فضحك ثم قال: نعم يا بنيّ وحبّا وكرامة. لعله:

  كم أتى دون عهد أمّ جميل فقلت: قال: مل بنا إلى هاهنا؛ فمال بي إلى دار في السّوق، ثم قال: غنّه؛ فقلت: بل تتمّ إحسانك يا عمّ وتغنّيني به فإنه أطيب لنفسي؛ فإن سمعته كما أقول / غنّيته وأنا غير متهيّب، وإن كان فيه مستصلح استعدته⁣(⁣١). فضحك ثم قال: أنت لست تريد أن تصحّح غنائك، إنما تريد أن تقول سمعتني وأنا شيخ وقد انقطعت وأنت شابّ. فقلت للجماعة⁣(⁣٢): إن رأيتم أن تسألوه أن يشفّعني فيما طلبت منه! فسألوه، فاندفع فغنّاه فأعاده ثلاث مرّات؛ فما رأيت أحسن من غنائه على كبر سنّه ونقصان صوته. ثم قال: غنّه فغنّيته؛ فطرب الشيخ حتى بكى، وقال: اذهب يا بنيّ،


(١) لعلها: استفدته.

(٢) لعله يعني جماعة كانوا في الدار التي مال به إليها.