كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار محمد بن أمية وأخيه علي

صفحة 370 - الجزء 12

  ١٢ - أخبار محمّد بن أميّة وأخبار أخيه عليّ بن أمية وما يغنّى فيه من شعرهما

  نسب محمد بن أمية

  سألت أحمد بن جعفر جحظة عن نسبه قلت له: إنّ النّاس يقولون ابن أمية وابن أبي أمية؛ فقال: هو محمد ابن أمية بن أبي أميّة.

  منادمته إبراهيم بن المهدي

  قال: وكان محمد كاتبا شاعرا ظريفا، وكان ينادم إبراهيم بن المهديّ، وربما عاشر عليّ بن هشام، إلَّا أنّ انقطاعه كان إلى إبراهيم، وربّما كتب بين يديه. وكان حسن الخطَّ والبيان. وكان أميّة بن أبي أمية يكتب للمهديّ على بيت المال. وكان إليه ختم الكتب بحضرته، وكان يأنس به لأدبه وفضله، ومكانه من ولائه، فزامله أربع دفعات حجّها في ابتدائه ورجوعه.

  قال جحظة: وحدّثني بذلك أبو حشيشة.

  إعجاب أبي العتاهية به في حضرة إبراهيم بن المهدي

  وحدّثني جحظة أيضا قال حدّثني أبو حشيشة عن محمد بن عليّ بن أمية قال حدّثني عمي محمد بن أمية قال:

  كنت جالسا بين يدي إبراهيم بن المهديّ، فدخل إليه أبو العتاهية وقد تنسّك ولبس الصوف وترك قول الشعر إلَّا في الزّهد، فرفعه إبراهيم وسرّ به، وأقبل عليه بوجهه وحديثه؛ فقال له أبو العتاهية: أيّها الأمير بلغني خبر فتى في ناحيتك ومن مواليك يعرف بابن أمية يقول الشعر، وأنشدت له شعرا أعجبني، فما فعل؟ فضحك إبراهيم ثم قال: لعله أقرب الحاضرين مجلسا منك. فالتفت إلي فقال لي: أنت هو فديتك؟ فتشوّرت⁣(⁣١) وخجلت وقلت له:

  أنا محمد بن أمية جعلت فداءك! وأمّا الشعر فإنما أنا شابّ أعبث بالبيت والبيتين والثلاثة كما يعبث الشابّ؛ فقال لي: فديتك، ذلك / واللَّه زمان الشعر وإبّانه، وما قيل فيه فهو غرره وعيونه، وما قصر من الشعر وقيل في المعنى الذي تومئ إليه أبلغ وأملح. وما زال ينشّطني ويؤنسني حتى رأى أني قد أنست به، ثم قال لإبراهيم بن المهديّ:

  إن رأى الأمير - أكرمه اللَّه - أن يأمره بإنشادي ما حضر من الشعر. فقال لي إبراهيم: بحياتي يا محمد أنشده.

  فأنشدته:

  ربّ وعد منك لا أنساه لي ... أوجب الشكر وإن لم تفعلي

  وذكر الأبيات الأربعة. قال: فبكى أبو العتاهية حتى جرت دموعه على لحيته وجعل يردّد البيت الأخير منها وينتحب، وقام فخرج وهو يردّده ويبكي حتى خرج إلى الباب.


(١) تشوّرت: استحييت.