كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

خبر رحرحان الثاني

صفحة 87 - الجزء 11

  ورأيت رجلا صغير العينين، ضيّق الجبهة طويلا يقود فرسا له، معه جفير لا يجاوز يده. قال: ذلك ربيعة بن عقيل.

  قالت: ورأيت رجلا آدم، معه ابنان له حسنا الوجه أصهبان، إذا أقبلا نظر القوم إليهما [حتى ينتهيا، وإذا أدبرا نظروا إليهما⁣(⁣١)]. قال: ذلك عمرو بن خويلد بن نفيل بن عمرو بن كلاب، وابناه يزيد وزرعة. ويقال قالت: ورأيت فيهم رجلين أحمرين جسيمين ذوي غدائر لا يفترقان في ممشى ولا مجلس، فإذا أدبرا اتّبعهما القوم بأبصارهم، وإذا أقبلا لم يزالوا ينظرون إليهما حتى يجلسا. قال: ذانك خويلد وخالد / ابنا نفيل. قالت: ورأيت رجلا آدم جسيما كأنّ رأسه مجزّ⁣(⁣٢) غضورة - والغضورة: حشيش دقاق خشن قائم يكون بمكة. تريد أنّ شعره قائم خشن كأنه حشيش قد جزّ -. قال: ذلك عوف بن الأحوص. قالت: ورأيت رجلا كأنّ شعر فخذيه حلق الدّروع. قال: ذلك شريح بن الأحوص. قالت: ورأيت رجلا أسمر⁣(⁣٣) طويلا يجول في القوم كأنه غريب. [قال: ذلك عبد اللَّه بن جعدة. ويقال قالت: ورأيت رجلا كثير شعر الرأس، صخّابا لا يدع طائفة من القوم إلَّا أصخبها⁣(⁣١)]. قال: ذلك عبد اللَّه بن جعدة ابن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.

  أسر معبد بن زرارة ومقتله:

  فسارت بنو عامر نحوهم، والتقوا برحرحان، وأسر يومئذ معبد بن زرارة، أسره عامر بن مالك، واشترك في أسره طفيل بن مالك ورحل من غنيّ يقال له أبو عميلة وهو عصمة بن وهب وكان أخا طفيل بن مالك من الرّضاعة.

  وكان معبد / بن زرارة [رجلا كثير المال. فوفد لقيط بن زرارة⁣(⁣٤)] على عامر بن مالك في الشهر الحرام. وهو رجب، وكانت مضر تدعوه الأصمّ؛ لأنهم كانوا لا يتنادون فيه يا لفلان ويا لفلان، ولا يتغازون ولا يتنادون فيه بالشّعارات⁣(⁣٥)، وهو أيضا منصل الألّ. والألّ: الأسنّة؛ كانوا إذا دخل رجب أنصلوا⁣(⁣٦)، الأسنّة من الرّماح حتى يخرج الشهر. وسأل لقيط عامرا أن يطلق أخاه. فقال: أمّا حصّتي فقد وهبتها لك، ولكن أرض أخي وحليفي اللَّذين اشتركا فيه. فجعل لقيط لكلّ واحد مائة من الإبل، فرضيا وأتيا عامرا فأخبراه. فقال عامر للقيط: دونك أخاك، فأطلق عنه. فلمّا أطلق فكَّر لقيط في نفسه فقال: أعطيهم مائتي بعير ثم تكون لهم النعمة عليّ بعد ذلك! لا واللَّه لا أفعل ذلك! ورجع إلى عامر فقال: إنّ أبي زرارة نهاني أن أزيد على مائة دية مضر، فإن أنتم رضيتم أعطيتكم مائة من الإبل. فقالوا: لا حاجة لنا في ذلك؛ فانصرف لقيط. فقال له معبد: مالي يخرجني من أيديهم. فأبى ذلك عليه فقال: إذا يقتسم العرب بني زرارة. فقال معبد لعامر بن مالك: يا عامر! أنشدك اللَّه لمّا خلَّيت سبيلي، فإنما يريد ابن الحمراء أن يأكل كلّ مالي - ولم تكن أمّه أمّ لقيط -. فقال له عامر: أبعدك اللَّه! إن لم يشفق عليك أخوك فأنا أحقّ ألَّا أشفق عليك. فعمدوا إلى معبد فشدّوا عليه القدّ وبعثوا به إلى الطائف، فلم يزل به حتى مات. فذلك قول شريح بن الأحوص:


(١) التكملة من «النقائض».

(٢) في «الأصول»: «مجن غضورة». والتصويب من «النقائض».

(٣) في «النقائض»: «أشم طويلا».

(٤) في «الأصول»: «وكان معبد بن زرارة أغار على عامر بن مالك ...». والتكملة والتصويب من «النقائض».

(٥) كذا في «ح» و «النقائض». وشعار القوم: علامتهم واصطلاحهم الذي يتنادون به في الحرب. وكان شعار أصحاب النبي في غزوهم: «يا منصور أمت أمت». وفي «سائر الأصول»: «بالثارات».

(٦) أنصل السنان من الرمح: أزاله عنه.