كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار حسان وجبلة بن الأيهم

صفحة 108 - الجزء 15

١٠ - أخبار حسّان وجبلة بن الأيهم

  لقاء حسان لجبلة واستنشاد جبلة له بعد النابغة وعلقمة وإجازته:

  أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلَّبي قالا: حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني هارون بن عبد اللَّه الزّهري قال: حدّثني يوسف بن الماجشون عن أبيه قال:

  قال حسّان بن ثابت: أتيت جبلة بن الأيهم الغسّاني وقد مدحته، فأذن لي فجلست بين يديه، وعن يمينه رجل له ضفيرتان، وعن يساره رجل لا أعرفه، فقال: أتعرف هذين؟ فقلت: أمّا هذا فأعرفه، وهو النابغة، وأما هذا فلا أعرفه. قال: فهو علقمة بن عبدة، فإن شئت استنشدتهما وسمعت منهما، ثم إن شئت أن تنشد بعدهما أنشدت، وإن شئت أن تسكت سكتّ. قلت: فذاك. قال: فأنشده النابغة:

  كليني لهمّ يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب

  قال: فذهب نصفي. ثم قال لعلقمة: أنشد. فأنشد:

  طحابك قلب في الحسان طروب ... بعيد الشباب عصر حان مشيب⁣(⁣١)

  فذهب نصفي الآخر فقال لي: أنت أعلم، الآن إن شئت أن تنشد بعدهما أنشدت، وإن شئت أن تسكت سكتّ. فتشدّدت ثم قلت: لا بل، أنشد. قال: هات. فأنشدته:

  للَّه درّ عصابة نادمتها ... يوما بجلَّق في الزّمان الأوّل⁣(⁣٢)

  أولاد جفنة عند قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل

  يسقون من ورد البريص عليهم ... كأسا تصفّق بالرحيق السلسل⁣(⁣٣)

  / يغشون حتّى ما تهرّ كلابهم ... لا يسألون عن السّواد المقبل

  بيض الوجوه كريمة أحسابهم ... شمّ الأنوف من الطراز الأوّل

  فقال لي: ادنه، ادنه، لعمري ما أنت بدونهما. ثم أمر لي بثلاثمائة دينار، وعشرة أقمصة لها جيب واحد، وقال: هذا لك عندنا في كلّ عام.

  وقد ذكر أبو عمرو الشّيباني هذه القصة لحسان ووصفها وقال: إنّما مضّله عمرو بن الحارث الأعرج، ومدحه بالقصيدة اللامية. وأتى بالقصّة أتمّ من هذه الرواية.


(١) طحا به قلبه: ذهب به في كل مذهب.

(٢) هذا البيت لم يرو في ط، ها، مط.

(٣) البريص: نهر بدمشق.