أخبار حسان وجبلة بن الأيهم
١٠ - أخبار حسّان وجبلة بن الأيهم
  لقاء حسان لجبلة واستنشاد جبلة له بعد النابغة وعلقمة وإجازته:
  أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلَّبي قالا: حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني هارون بن عبد اللَّه الزّهري قال: حدّثني يوسف بن الماجشون عن أبيه قال:
  قال حسّان بن ثابت: أتيت جبلة بن الأيهم الغسّاني وقد مدحته، فأذن لي فجلست بين يديه، وعن يمينه رجل له ضفيرتان، وعن يساره رجل لا أعرفه، فقال: أتعرف هذين؟ فقلت: أمّا هذا فأعرفه، وهو النابغة، وأما هذا فلا أعرفه. قال: فهو علقمة بن عبدة، فإن شئت استنشدتهما وسمعت منهما، ثم إن شئت أن تنشد بعدهما أنشدت، وإن شئت أن تسكت سكتّ. قلت: فذاك. قال: فأنشده النابغة:
  كليني لهمّ يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب
  قال: فذهب نصفي. ثم قال لعلقمة: أنشد. فأنشد:
  طحابك قلب في الحسان طروب ... بعيد الشباب عصر حان مشيب(١)
  فذهب نصفي الآخر فقال لي: أنت أعلم، الآن إن شئت أن تنشد بعدهما أنشدت، وإن شئت أن تسكت سكتّ. فتشدّدت ثم قلت: لا بل، أنشد. قال: هات. فأنشدته:
  للَّه درّ عصابة نادمتها ... يوما بجلَّق في الزّمان الأوّل(٢)
  أولاد جفنة عند قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل
  يسقون من ورد البريص عليهم ... كأسا تصفّق بالرحيق السلسل(٣)
  / يغشون حتّى ما تهرّ كلابهم ... لا يسألون عن السّواد المقبل
  بيض الوجوه كريمة أحسابهم ... شمّ الأنوف من الطراز الأوّل
  فقال لي: ادنه، ادنه، لعمري ما أنت بدونهما. ثم أمر لي بثلاثمائة دينار، وعشرة أقمصة لها جيب واحد، وقال: هذا لك عندنا في كلّ عام.
  وقد ذكر أبو عمرو الشّيباني هذه القصة لحسان ووصفها وقال: إنّما مضّله عمرو بن الحارث الأعرج، ومدحه بالقصيدة اللامية. وأتى بالقصّة أتمّ من هذه الرواية.
(١) طحا به قلبه: ذهب به في كل مذهب.
(٢) هذا البيت لم يرو في ط، ها، مط.
(٣) البريص: نهر بدمشق.