أخبار المؤمل بن جميل
١٣ - أخبار المؤمل بن جميل
  كان أبوه جميل يلقب قتيل الهوى
  قد مضى نسب أبي حفصة في أخبار مروان، وكان يحيى بن أبي حفصة يكنى أبا جميل. والمؤمّل بن جميل يكنى أبا جميل. وأم جميل أميرة بنت زياد بن هوذة بن شماس بن لؤيّ من بني أنف الناقة الذين يمدحهم الحطيئة.
  وأم المؤمّل شريفة بنت المذلق بن الوليد بن طلبة بن قيس بن عاصم المنقريّ، وكان جميل يلقّب قتيل الهوى، ولقّب بذلك لقوله:
  قلن: من ذا؟ فقلت: هذا إلي ... مانيّ قتيل الهوى أبو الخطاب
  قلن: باللَّه أنت ذاك يقينا ... لا تقل قول مازح لعاب
  إن تكن أنت هو فأنت منانا ... خاليا كنت أو مع الأصحاب
  أخبار له مع غلامه المطرز
  أخبرني بذلك يحيى بن عليّ، إجازة عن محمد بن إدريس بن سليمان، عن أبيه، وحكى أبو أحمد | عن محمد بهذا الإسناد:
  أن أبا جميل اشترى غلاما مدنيّا مغنيّا مجلوبا من مولَّدي(١) السّند على البراءة من كل عيب، يقال له المطرّز، فدعا أصحابا له ذات يوم، ودعا شيخين من أهل اليمامة مغنّيين، يقال لأحدهما السائب وللآخر شعبة، فلما أخذ القوم مجلسهم ومعهم المطرّز اندفع الشيخان فغنّيا، فقال المطرّز لأبي جميل مولاه: ويلك يا أبا جميل يا بن الزّانية، أتدري ما فعلت ومن عندك؟ فقال له: ويلك! أجننت! ما لك! قال: أما أنا فأشهد أنك تأمن مكر اللَّه حين أدخلت منزلك هذين.
  قال: وبعثه يوما يدعو أصدقاء له، فوجدهم عند رجل من أهل اليمامة / يقال له بهلول، وهو في بستان له، فقال لهم: مولاي / أبو جميل قد أرسلني أدعوكم، وقد بلَّغتكم رسالته، وإن شاورتموني أشرت عليكم، فقالوا:
  أشر علينا، قال: أرى ألا تذهبوا إليه، فمجلسكم واللَّه أنزه من مجلسه وأحسن، فقالوا له: قد أطعناك، قال:
  وأخرى، قالوا: وما هي؟ قال: تحلفون عليّ ألَّا أبرح، ففعلوا، فأقام عندهم.
  وغضب عليه أبو جميل يوما فبطحه يضربه وهو يقول: ويلك أبا جميل! اتق اللَّه فيّ، اللَّه اللَّه في أمري، أما علمت ويلك خبري قبل أن تشتريني! قال: وكان يبعثه إلى بئر لهم عذبة في بستان له يسقي منها لهم ماء، فكان يستقيه ثم يصبّه لجيران لهم في حيّهم، ثم يستقي مكانه من بئر لهم غليظة، فإذا أنكر مولاه قال له: سل الغلمان إذا أتيت البستان: هل استقيت منه؟ فيسألهم فيجده صادقا.
(١) في ب: موالي. ومجلوبا من جلبه جلبا: ساقه من موضع إلى آخر، فهو مجلوب.