كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

من غزل جرير

صفحة 480 - الجزء 16

  تنازع العلماء في هذا الشعر

  وقد أخبرني إبراهيم بن محمد بن أيوب الصائغ قال: حدّثنا عبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة:

  أن هذين البيتين للمعلوط، وأن جريرا سرقهما منه، وأدخلهما في شعره.

  أبو السائب المخزومي وغزل جرير

  أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال: حدّثنا الزبير بن بكَّار قال: حدّثني عمي وغيره قالوا:

  غدا عبد اللَّه بن مسلم بن جندب الهذلي على أبي السائب المخزوميّ في منزله، فلما خرج إليه أبو السائب أنشده قول جرير:

  إن الذين غدوا بلبك غادروا ... وشلا بعينك لا يزال معينا

  البيتين. فحلف أبو السائب ألَّا يرد على أحد سلاما، ولا يكلَّمه إلا بهذين البيتين، حتى يرجع إلى منزله. فخرجا، فلقيهما عبد العزيز بن المطَّلب وهو قاض، وكانا يدعيان القرينين لملازمتهما، فلما رآهما قال: كيف أصبح القرينان؟ فغمز أبو السائب بن جندب: أن أخبره⁣(⁣١) بالقصّة، وابن جندب يتغافل، فقال لابن جندب: ما لأبي السائب؟ فجعل أبو السائب يغمزه، أي أخبره بيميني⁣(⁣١). قال ابن جندب: أحمد اللَّه إليك، ما زلت منكرا لفعله منذ خرجنا. فانصرف ابن المطلب إلى منزله والخصوم ينتظرونه، فصرفهم⁣(⁣٢) ودخل منزله مغتما. فلما أتى أبو السائب منزله، وبرّت يمينه، خرج إلى ابن جندب فقال: اذهب بنا إلى ابن المطلب، فإني أخاف أن يردّ شهادتي. فاستأذنا عليه، فأذن لهما فقال له أبو السائب: قد علمت - / أعزك اللَّه - غرامي بالشعر؛ وإن هذا الضالّ جاءني حين خرجت من منزلي، فأنشدني بيتين، / فحلفت ألا أرد على أحد سلاما، ولا أكلمه إلا بهما. حتى أرجع إلى منزلي. فقال ابن المطلب: اللهم غفرا! ألا تترك المجون يا أبا السائب.

  أخبرني: الحرميّ قال: حدّثنا الزبير بن بكار قال: حدّثني عبد المطلب بن عبد العزيز قال:

  أنشدت أبا السائب قول جرير:

  غيّضن من عبراتهن وقلن لي ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا!

  فقال: يا بن أخي، أتدري ما التغييض؟ قلت: لا. قال: هكذا، وأشار بأصبعه إلى جفنه، كأنه يأخذ الدمع ثم ينضحه.


(١ - ١) كذا في ف. وفي الأصول: بيميني، فأنشده أبو السائب البيتين، ولم يردّ سلاما، وجعل يغمز ابن جندب أن يخبره بالقصة، وابن جندب يتغافل، فقال لابن جندب: ما لأبي السائب، فجعل أبو السائب، يغمز ابن جندب أن يخبره بيميني.

(٢) ف: فعرفهم الخبر.