كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

10 - نسب إبراهيم الموصلي وأخباره

صفحة 175 - الجزء 5

  لا أمتع العوذ بالفصال ولا ... أبتاع إلا قريبة الأجل

  قال ابن الكوسج مولى آل حنين يجيبه:

  ما يشرب البارد القراح ولا ... يذبح من جفرة⁣(⁣١) ولا حمل⁣(⁣٢)

  كأنّه قردة يلاعبها ... قرد بأعلى الهضاب من ملل

  / قال: فقال ابن هرمة: لئن لم أوت به مربوطا لأفعلنّ بآل حنين ولأفعلنّ؛ فوهبوا لابن / الكوسج مائة درهم وربطوه وأتوا به ابن هرمة فأطلقه⁣(⁣٣)؛ فقال ابن الكوسج: واللَّه لئن عاد لمثلها لأعودنّ⁣(⁣٤).

  غنى ابن جامع الرشيد ما شغله به عن غيره فعلم إبراهيم مخارقا لحنا تفوّق به عليه:

  أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيّات قال حدّثني هارون بن مخارق عن أبيه قال:

  كنّا عند الرشيد في بعض أيامنا ومعنا ابن جامع، فغنّاه ابن جامع ونحن يومئذ بالرّقّة:

  هاج شوقا فراقك الأحبابا ... فتناسيت أو نسيت الرّباب

  حين صاح الغراب بالبين منهم ... فتصاممت إذ سمعت الغرابا

  لو علمنا أنّ الفراق وشيك ... ما انتهينا حتى نزور القبابا

  أو علمنا حين استقلَّت نواهم ... ما أقمنا حتّى نزمّ⁣(⁣٥) الرّكابا

  - الغناء لابن جامع رمل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق، وله فيه أيضا ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو. وذكرت دنانير عن فليح أنّ فيه لابن سريج وابن محرز لحنين -. قال: فاستحسنه الرشيد وأعجب به واستعاده مرارا وشرب عليه أرطالا حتى سكر، وما سمع غيره ولا أقبل على أحد، وأمر لابن جامع بخمسة آلاف دينار؛ فلمّا انصرفنا قال لي إبراهيم: لا ترم⁣(⁣٦) منزلك حتى أصير إليك؛ فصرت / إلى منزلي، فلم أغيّر ثيابي حتى أعلمني الغلام بموافاته، فتلقّيته في دهليزي⁣(⁣٧)، فدخل وجلس وأجلسني بين يديه ثم قال لي: يا مخارق، أنت فسيلة⁣(⁣٨) منّي وحسني لك وقبيحي عليك، ومتى تركنا ابن جامع على ما ترى غلبنا على الرّشيد، وقد صنعت صوتا على طريقة


(١) الجفرة: من أولاد الشاء إذا عظم واستكرش، قال أبو عبيد: إذا بلغ ولد المعزى أربعة أشهر وجفر جنباه وفصل عن أمه وأخذ في الرعي فهو: جفر، والأنثى جفرة.

(٢) كذا في ط، ء، ح، وهو الأنسب للمعنى. وفي سائر الأصول: «جمل» بالجيم.

(٣) عبارة ط، ء: «فأطلقه وقال: واللَّه لئن عاد إلى مثلها لأعودنّ». وهي تفيد أن المهدّد ابن هرمة لا ابن الكوسج، على خلاف ما يفيده باقي الأصول.

(٤) إلى هنا انتهى المؤلف من أخبار ابن هرمة وعاد إلى إبراهيم الموصلي، ولهذا عنونا به هذه الصفحة وما بعدها إلى أخبار إسحاق.

(٥) زم البعير: خطمه ووضع فيه الزمام.

(٦) رام المكان يريمه: برحه، وأكثر ما يستعمل منفيا.

(٧) الدهليز (بالكسر): اسم الممر الذي بين باب الدار ووسطها، فارسيّ معرّب. قال يحيى بن خالد: «ينبغي للإنسان أن يتأنق في دهليزه، لأنه وجه الدار، ومنزل الضيف، وموقف الصديق حتى يؤذن له، وموضع العلم، ومقيل الخدم، ومنتهى حدّ المستأذن».

(٨) الفسيلة: النخلة الصغيرة تقلع من الأرض أو تقطع من الأم فنغترس.