كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار متفرقة

صفحة 367 - الجزء 12

  وما شئنا تركنا. فقال له الأشتر: أنت تقول هذا أصلحك اللَّه وهذا من مركز رماحنا وفيئنا! ثم ضربوا عبد الرحمن ابن حبيش حتى سقط.

  قال المدائني فحدّثني عليّ بن مجاهد عن محمد بن إسحاق عن الشعبي [ومجالد بن حمزة بن بيض عن الشعبيّ]⁣(⁣١) قال: بينا القرّاء عند سعيد بن العاص وهم يأكلون تمرا وزبدا إذ قال سعيد: السواد بستان قريش، فما شئنا أخذنا منه وما شئنا تركنا. فقال له عبد الرحمن بن حبيش وكان على شرطة سعيد: صدق الأمير. فوثب عليه القرّاء فضربوه، وقالوا له: يا عدوّ اللَّه، يقول الباطل وتصدقه! فقال سعيد: اخرجوا من داري. فخرجوا، فلما أصبحوا أتو المسجد فداروا على الحلق فقالوا: إن أميركم زعم أنّ السواد بستان له ولقومه وهو فيئنا ومركز رماحنا، فو اللَّه ما على هذا بايعنا ولا عليه أسلما. فكتب سعيد إلى عثمان ¥: إنّ قبلي قوما يدعون القرّاء وهم السفهاء، وثبوا على صاحب / شرطتي فضربوه واستخفوا بي. ومنهم عمرو بن زرارة، وكميل بن [زياد، والأشتر وحرفوص بن هبيرة، وشريح بن أوفى، ويزيد بن]⁣(⁣٢) المكفّف، وزيد وصعصعة ابنا صوحان وجندب بن عبد اللَّه.

  فكتب إليهم عثمان ¥ يأمرهم أن يخرجوا إلى الشام ويغروا مغازيهم. وكتب إلى سعيد: قد كفيتك الذي أردت فأقرئهم كتابي فإني أراهم لا يخالفون إن شاء اللَّه، واتق اللَّه جلّ وعز وأحسن السيرة. فأقرأهم الكتاب، فخرجوا إلى دمشق فأكرمهم معاوية وقال: إنكم قدمتم بلدا لا يعرف أهله إلا الطاعة فلا تجادلوهم فتدخلوا الشكّ قلوبهم. فقال له الأشتر: إنّ اللَّه جل وعز قد أخذ على العلماء في علمهم ميثاقا أن يبيّنوه للناس ولا يكتموه. فإن سألنا سائل عن شيء نعلمه لم نكتمه. فقال: قد خفت أن تكونوا مرصدين للفتنة، فاتقوا اللَّه {ولا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا واخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ} فقال عمرو بن زرارة: نحن الذين هدى اللَّه. فأمر معاوية بحبسهم.

  فقال له زيد بن صوحان: إن الذين أشخصونا إليك لم يعجزوا عن حبسنا لو أرادوا. فأحسنوا جوارنا، وإن كنا ظالمين فنستغفر اللَّه، وإن كنا مظلومين فنسأل اللَّه العافية. فقال له معاوية: إني لا أرى حبسك أمرا صالحا، فإن أحببت أن آذن لك فترجع إلى مصرك وأكتب إلى أمير المؤمنين بإذنك فعلت. قال حسبي أن تأذن لي وتكتب إلى سعيد. فكتب إليه، فأذن له، فلما أراد زيد الشخوص كلَّمه في الأشتر وعمرو بن زرارة فأخرجهما. وأقام القوم بدمشق لا يرون أمرا يكرهونه؛ ثم أشخصهم معاوية إلى حمص، فكانوا بها، حتى أجمع أهل الكوفة على إخراج سعيد فكتبوا إليهم فقدموا.

  قال أبو زيد قال المدائني حدّثني الوقاصي عن الزّهري:

  أن أهل الكوفة لما قدموا على عثمان يشكون سعيدا قال لهم: أكتب إليه فأجمع بينكم وبينه. ففعل، فلم يحقّقوا عليه شيئا إلا قوله: «السواد بستان / قريش»، وأثنى الآخرون عليه. فقال عثمان: أرى أصحابكم / يسألون إقراره، ولم يثبتوا عليه إلا كلمة واحدة، لم ينتهك بها لأحد حرمة. ولا أرى عزله إلا أن تثبتوا عليه ما لا يحلّ لأحد تركه معه. فانصرفوا إلى مصركم. فرجع سعيد والفريقان معه، وتقدّمهم عليّ بن الهيثم السدوسيّ حتى دخل رحبة المسجد فقال: يا أهل الكوفة إنا أتينا خليفتنا فشكونا إليه عاملنا، ونحن نرى أنه سيصرفه عنا، فردّه إلينا وهو يزعم أن السواد بستان له. وأنا امرؤ منكم أرضى إذا رضيتم. فقالوا لا نرضى.


(١) التكملة من ف.

(٢) التكملة من ف.