كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عزة الميلاء

صفحة 107 - الجزء 17

١٣ - أخبار عزة الميلاء

  كانت عزّة مولاة للأنصار، ومسكنها المدينة، وهي أقدم من غنّى الغناء الموقّع من النساء بالحجاز، وماتت قبل جميلة، وكانت من أجمل النساء وجها، وأحسنهنّ جسما، وسمّيت الميلاء؛ لتمايلها في مشيها.

  سبب تسميتها الميلاء

  وقيل: بل كانت تلبس الملاء، وتشبّه بالرجال، فسمّيت بذلك. وقيل: بل كانت مغرمة بالشراب، وكانت تقول: خذ ملئا⁣(⁣١) واردد فارغا - ذكر ذلك حمّاد بن إسحاق، عن أبيه.

  والصحيح أنها سمّيت الميلاء لميلها في مشيتها.

  مكانتها في الموسيقى والغناء

  قال إسحاق: ذكر لي ابن جامع، عن يونس الكاتب، عن معبد، قال: كانت عزّة الميلاء ممّن أحسنّ ضربا بعود، وكانت مطبوعة على الغناء، لا يعيبها أداؤه ولا صنعته ولا تأليفه، وكانت تغنّي أغاني القيان من القدائم، مثل سيرين⁣(⁣٢)، وزرنب، وخولة، والرباب، وسلمى، ورائقة، وكانت رائقة أستاذتها. فلما قدم نشيط وسائب خاثر المدينة غنّيا أغاني بالفارسية، فلقنت عزّة عنهما نغما، وألَّفت عليها ألحانا عجيبة، فهي أوّل من فتن أهل المدينة بالغناء، وحرّض نساءهم ورجالهم عليه.

  رأي مشايخ أهل المدينة فيها

  قال إسحاق: وقال الزّبير: إنه وجد مشايخ أهل المدينة إذا ذكروا عزّة قالوا: للَّه درّها! ما كان أحسن / غناءها، ومدّ⁣(⁣٣) صوتها، وأندى حلقها، وأحسن ضربها بالمزاهر والمعازف وسائر الملاهي، وأجمل وجهها، / وأظرف لسانها، وأقرب مجلسها، وأكرم خلقها، وأسخى نفسها، وأحسن مساعدتها.

  قال إسحاق: وحدّثني أبي، عن سياط، عن معبد، عن جميلة، بمثل ذلك من القول فيها.

  أخذ عنها ابن سريج وابن محرز

  قال إسحاق: وحدثني أبي، عن يونس، قال:

  كان ابن سريج في حداثة سنّه يأتي المدينة، فيسمع من عزّة ويتعلَّم غناءها، ويأخذ عنها، وكان بها معجبا،


(١) الملء، بالكسر: اسم ما يأخذه الإناء إذا امتلأ. وفي «المختار»: «ملاء».

(٢) «بيروت»: «شيرين».

(٣) المختار: «وأحل صوتها».