كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

4 - أخبار أعشى همدان ونسبه

صفحة 314 - الجزء 6

  كان الشّعبيّ عامر بن شراحيل زوج أخت أعشى همدان، وكان أعشى همدان زوج أخت الشعبي؛ فأتاه أعشى همدان يوما، وكان أحد القرّاء للقرآن، فقال له: إني رأيت كأني أدخلت بيتا فيه حنطة وشعير، وقيل لي: خذ أيّهما شئت، فأخذت الشّعير؛ فقال: إن صدقت رؤياك تركت القرآن وقراءته وقلت الشعر؛ فكان كما قال:

  سر في الديلم أحبته ابنة الأمير هربت معه وشعره في ذلك:

  أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ عن محمد بن معاوية الأسدي عن ابن كناسة، قال العنزي وحدّثني مسعود بن بشر عن أبي عبيدة والأصمعي قالا، رافق⁣(⁣١) روايتهم الهيثم بن عديّ عن حمّاد الراوية قال:

  كان أعشى همدان أبو المصبّح ممن أغزاه الحجّاج بلد الدّيلم ونواحي دستبي⁣(⁣٢)، فأسر، فلم يزل أسيرا في أيدي الديلم مدّة. ثم إن بنتا للعلج الذي أسره هويته، / وصارت إليه ليلا فمكَّنته من نفسها، فأصبح وقد واقعها ثماني مرّات؛ فقالت له الديلمية: يا معشر المسلمين، أهكذا تفعلون بنسائكم؟ فقال لها: هكذا نفعل كلَّنا؛ فقالت له: بهذا العمل نصرتم؛ أفرأيت إن خلَّصتك، أتصطفيني لنفسك؟ فقال لها نعم، وعاهدها. فلما كان الليل حلَّت قيوده وأخذت به طرقا تعرفها حتى خلَّصته وهربت معه. فقال شاعر من أسرى المسلمين:

  فمن كان يفديه من الأسر ماله ... فهمدان تفديها الغداة أيورها

  وقال الأعشى يذكر ما لحقه من أسر الديلم:

  صوت

  لمن الظَّعائن سيرهنّ ترجّف⁣(⁣٣) ... عوم السّفين إذا تقاعس مجذف⁣(⁣٤)

  مرّت بذي خشب⁣(⁣٥) كأنّ حمولها ... نخل بيثرب طلعه متضعّف⁣(⁣٦)

  - غنّى في هذين البيتين أحمد النّصبي، ولحنه خفيف ثقيل مطلق في مجرى البنصر عن عمرو وابن المكيّ.

  وفيهما لمحمد الزّفّ خفيف رمل بالوسطى عن عمرو -:

  عولين ديباجا وفاخر سندس ... وبخزّ أكسية العراق تحفّف


(١) كذا في الأصول. ولعل صواب العبارة: «ووافق روايتهما الهيثم بن عدي ... إلخ».

(٢) دستبي (بفتح أوّله وسكون ثانيه وفتح التاء المثناة من فوق والباء الموحدة): كورة كانت مقسومة بين الري وهمذان، فقسم منها يسمى دستبي الرازيّ وهو يقارب التسعين قرية، وقسم منها يسمى دستبي همذان وهو عدّة قرى. وربما أضيف إلى قزوين في بعض الأوقات لاتصاله بعملها. ولم تزل دستبي على قسميها إلى أن سعى رجل من سكان قزوين من بني تميم له حنظلة بن خالد فصيرها بقسميها إلى قزوين.

(٣) الترجف: الاضطراب الشديد.

(٤) كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «تجذف».

(٥) ذو خشب (بضم الخاء والشين): واد على مسيرة ليلة من المدينة. وقد ذكر كثيرا في الشعر والمغازي. قال بعض بني مرة يصف ناقته:

فمرّت بذي خشب غدوة ... وجازت فويق أريك أصيلا

(راجع «معجم البلدان» وكتاب «ما يعوّل عليه في المضاف والمضاف إليه»).

(٦) كذا في «تجريد الأغاني»، والرواية فيه: «حمله متضعف». وفي ب، س: «متعصف». وفي سائر الأصول: «متعطف».