4 - أخبار أعشى همدان ونسبه
  أتسربل الليل البهيم وأستري ... في الخبت إذ لا يسترون(١) وأوجف
  ما إن أزال مقنّعا أو حاسرا ... سلف(٢) الكتيبة والكتيبة وقّف
  فأصابني قوم فكنت أصيبهم ... فالآن أصبر للزمان وأعرف
  إني لطلَّاب التّرات مطلَّب ... وبكل أسباب المنيّة أشرف
  باق على الحدثان غير مكذّب ... لا كاسف بالي ولا متأسّف
  إن نلت لم أفرح بشيء نلته ... وإذا سبقت به فلا أتلهّف
  إني لأحمي في المضيق فوارسي ... وأكرّ خلف المستضاف(٣) وأعطف
  وأشدّ إذ يكبو(٤) الجبان(٥) وأصطلي ... حرّ الأسنّة والأسنّة ترعف
  صوت
  فلئن أصابتني الحروب فربّما ... أدعى إذا منع الرّداف فأردف
  ولربّما يروى بكفّي لهذم ... ماض ومطَّرد الكعوب مثقّف(٦)
  وأغير غارات وأشهد مشهدا ... قلب الجبان به يطير ويرجف
  وأرى مغانم لو أشاء حويتها ... فيصدّني عنها غنّى وتعفّف
  / - غنّى في هذه الأبيات دحمان، ولحنه ثقيل أوّل بالبنصر عن الهشاميّ. قال الهشاميّ: فيها / لمالك خفيف ثقيل أوّل بالوسطى، ووافقه في هذا ابن المكيّ - قالوا جميعا:
  خرج مع جيش الحجاج إلى مكران فمرض وقال شعرا:
  ثم ضرب البعث على جيش أهل الكوفة إلى مكران(٧)، فأخرجه الحجّاج معهم، فخرج إليها وطال مقامه بها ومرض، فاجتواها وقال في ذلك - وأنشدني بعض هذه القصيدة اليزيديّ عن سليمان بن أبي شيخ -:
  طلبت الصّبا إذ علا المكبر ... وشاب القذال(٨) وما تقصر
  وبان الشباب ولذاتّه ... ومثلك في الجهل لا يعذر
(١) في ب، س:
«وأشتدي ... لا يشتدون»
وفي سائر الأصول: «وأستدي»، وكلاهما تحريف. واسترى بمعنى سرى.
(٢) السلف: المتقدّم.
(٣) المستضاف: من يفزع إليه غيره ويلتجئ به، يريد به الكميّ الشجاع.
(٤) في ح و «تجريد الأغاني»: «ينبو».
(٥) كذا في أكثر الأصول و «تجريد الأغاني». وفي ب، س: «الجواد».
(٦) مطرد الكعوب: الرمح، واطراد كعوبه: تتابعها. والمثقف: المقوّم المسوّى.
(٧) مكران (بالضم ثم السكون وأكثر ما تجيء في شعر العرب مشدّدة الكاف مفتوحتها): ولاية واسعة تشتمل على عدة مدن وقرى وهي بين كرمان من غربيها وسجستان شماليها والبحر جنوبيها والهند في شرقيها. وقال الإصطخري: هي ناحية واسعة عريسة والغالب عليها المفاوز والضر والقحط. (راجع «معجم البلدان»).
(٨) القذال: جماع مؤخر الرأس، وقيل: ما بين نقرة القفا إلى الأذن.