كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

23 - ذكر أبي سفيان وأخباره ونسبه

صفحة 531 - الجزء 6

  ذكر الخبر عن غزوة السّويق ونزول أبي سفيان على سلام بن مشكم

  خبره غزوة السويق ونزوله على ابن مشكم:

  كانت هذه الغزاة بعد وقعة بدر. وذلك أن أبا سفيان نذر ألَّا يمسّ رأسه ماء من جنابة ولا يشرب خمرا حتى يغزو رسول اللَّه . فخرج في عدّة من قومه ولم يصنع شيئا؛ فعيّرته قريش بذلك وقالوا: إنما خرجتم تشربون السّويق⁣(⁣١)؛ فسمّيت غزوة السّويق⁣(⁣٢).

  حدّثنا محمد بن جرير، قرأته عليه، قال حدّثنا محمد بن حميد قال حدّثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير ويزيد بن رومان عن عبيد اللَّه بن كعب بن مالك - وكان من أعلم الأنصار - قال:

  كان أبو سفيان حين رجع إلى مكة ورجع قبل قريش من بدر، نذر ألَّا يمسّ ماء من جنابة حتى يغزو محمدا . فخرج في مائتي راكب من قريش ليبرّ يمينه، فسلك النّجديّة حتى نزل بصدر قناة إلى / جبل يقال له تيت⁣(⁣٣) (من المدينة على بريد أو نحوه) ثم خرج من الليل حتى أتى بني النّضير تحت الليل، فأتى حييّ بن أخطب بيثرب فدقّ عليه بابه فأبى أن يفتح له وخافه؛ وانصرف / إلى سلام بن مشكم - وكان سيّد بني النّضير في زمانه ذلك وصاحب كنزهم - فاستأذن عليه فأذن له، فقراه وسقاه ونظر له خبر الناس. ثم خرج في عقب ليلته حتى جاء أصحابه؛ فبعث رجالا من قريش إلى المدينة، فأتوا ناحية منها يقال لها العريض، فحرّقوا في أصوار⁣(⁣٤) من نخل لها، أتوا رجلا من الأنصار وحليفا له في حرث لهما فقتلوهما ثم انصرفوا راجعين. فنذر⁣(⁣٥) بهم الناس؛ فخرج رسول اللَّه في طلبهم حتى بلغ قرقرة⁣(⁣٦) الكدر، ثم انصرف راجعا وقد فاته أبو سفيان وأصحابه، وقد رأوا من


(١) السويق: شراب يتخذ من الحنطة والشعير.

(٢) الذي في «السيرة» لابن هشام (ج ٢ ص ٥٤٤): «وإنما سميت غزوة السويق - فيما حدّثني أبو عبيدة - لأن أكثر ما طرح القوم من أزوادهم السويق، فسميت غزوة السويق».

(٣) تيت: ضبط في «القاموس» و «شرحه» كميت (أي بسكون الياء وبتشديدها مكسورة). وضبط في ياقوت بالقلم بتشديد الياء مفتوحة.

ومنهم من قال: «تيب» بالتحريك وآخره باء موحدة، جبل قريب من المدينة على سمت الشام، وقد يشدّد وسطه للضرورة. (راجع «معجم البلدان» لياقوت و «القاموس» و «شرحه» مادة تيت).

(٤) كذا في ح و «السيرة لابن هشام» والطبري (ق ١ ص ١٣٦٥). وقد ورد هذا الخبر في «شرح القاموس» و «اللسان» (مادة صور) و «معجم ياقوت» في الكلام على عريض هكذا: «أن أبا سفيان بعث رجلين من أصحابه فأحرقا صورا من صيران العريض». والصور:

الجماعة من النخل. وقيل: النخل الصغار. وفي سائر الأصول: «فحرقوا أسوارا من نخل» بالسين المهملة وهو تحريف.

(٥) نذر: علم.

(٦) قرقرة الكدر: موضع على ستة أميال من خيبر.