كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

جميلة

صفحة 363 - الجزء 8

  عائشة. وذكر حبش أنّ فيه خفيف ثقيل لمعبد وأن خفيف الرّمل لمالك - قال معبد: فسّرت جميلة بما غنّيتها به وتبسّمت وقالت: حسبك يا أبا عبّاد! ولم تكنني قبلها ولا بعدها. ثم قالت لمالك: يا أخا طيّئ هات ما عندك وجنّبنا مثل قول عبد ابن قطن⁣(⁣١)؛ فاندفع وغنّى بلحن لها، وقد تغنّى به أيضا معبد لها. واللحن:

  ألا من لقلب لا يملّ فيذهل ... أفق فالتعزّي عن بثينة أجمل

  فما هكذا أحببت من كان قبلها ... ولا هكذا فيما مضى كنت تفعل

  فإنّ التي أحببت قد حيل دونها ... فكن حازما والحازم المتحوّل

  - لحن جميلة هكذا ثقيل أوّل بالبنصر. وفيه ألحان عدّة مع أبيات أخر من القصيدة، وهي لجميل - فقالت جميلة:

  أحسنت واللَّه في غنائك وفي الأداء عنّى. / أمّا قوله: «شأتك» فأراد بعدت عنك. والشّأو: البعد، يقال: جرى الفرس شأوا أو شأوين أي طلقا أو طلقين. والمهرق: الصحيفة بما فيها من الكتاب، والجمع مهارق؛ قال ذو الرمّة:

  كمستعبر في رسم دار كأنّها ... بوعساء تنضوها الجماهير⁣(⁣٢) مهرق

  الذلفاء التي شبب بها الأحوص

  : والعين أن تتعيّن الإداوة أو القربة التي تخرز ويسيل الماء عن عيون الخرز. فشبّه ما بقي من الدار بتعيّن القربة وطرائق خروقها التي ينزل منها الماء شيئا بعد شيء. فأما الذّلفاء التي ذكرت فيها فهي التي فتن بها أهل المدينة.

  وقال بعض من كانت عنده بعد ما طلَّقها:

  لا بارك اللَّه في دار عددت بها ... طلاق ذلفاء من دار ومن بلد

  فلا يقولن ثلاثا قائل أبدا ... إني وجدت ثلاثا أنكد العدد

  فكان إذا عدّ شيئا يقول: واحد اثنان أربعة ولا يقول ثلاثة.

  حديث بثينة لها عن عفة جميل وعن حالها لما سمعت نعيه

  : وقالت جميلة: حدّثتني بثينة - وكانت صدوقة⁣(⁣٣) اللسان جميلة الوجه حسنة البيان عفيفة البطن والفرج - قالت: واللَّه ما أرادني جميل رحمة اللَّه عليه بريبة قطَّ ولا حدّثت أنا نفسي بذلك منه. وإنّ الحيّ انتجعوا موضعا، وإني لفي هودج لي أسير إذا أنا بها تف ينشد أبياتا، فلم أتمالك أن رميت بنفسي وأهل الحيّ ينظرون، فبقيت أطلب المنشد فلم أقف عليه، فناديت: أيها الهاتف بشعر جميل ما وراءك منه؟ وأنا أحسبه قد قضى نحبه ومضى لسبيله، فلم يجيبني مجيب؛ فناديت ثلاثا، وفي كل ذلك لا يردّ عليّ أحد شيئا. فقال صواحباتي: أصابك يا بثينة طائف / من الشيطان؟ فقلت: كلَّا! لقد سمعت قائلا يقول! قلن: / نحن معك ولم نسمع! فرجعت فركبت مطيّتي وأنا حيرى والهة العقل كاسفة البال، ثم سرنا. فلما كان في الليل إذا ذلك الهاتف يهتف بذلك الشعر بعينه، فرميت بنفسي وسعيت إلى الصوت، فلما قربت منه انقطع؛ فقلت: أيها الهاتف، ارحم حيرتي وسكَّن عبرتي بخبر هذه


(١) تعني معبدا، إذ هو مولى ابن قطن.

(٢) الوعساء: الرملة اللينة. والجمهور: الرمل الكثير المتراكم الواسع.

(٣) التاء في صدوقة اللسان لتوكيد المبالغة؛ فإن «فعولا» بمعنى الفاعل لا تلحقه التاء الفارقة بين المؤنث والمذكر.