كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

الأخطل

صفحة 443 - الجزء 8

  له: [بيت]⁣(⁣١) الأخطل. فأتاه فقال: انزل. فلمّا نزل قام / إليه الأخطل وهو لا يعرفه إلا أنه ضيف؛ فقعدا يتحدّثان.

  فقال له الأخطل: ممّن الرجل؟ قال: من بني تميم. قال: فإنك إذا من رهط أخي الفرزدق. فقال: تحفظ من شعره شيئا؟ قال: نعم كثيرا. فما زالا يتناشدان ويتعجّب الأخطل من حفظه شعر الفرزدق إلى أن عمل فيه الشراب، وقد كان الأخطل قال له قبل ذلك: أنتم معشر / الحنفيّة لا ترون أن تشربوا من شرابنا. فقال له الفرزدق: خفّض قليلا وهات من شرابك فاسقنا. فلمّا عملت الرّاح في أبي فراس قال: أنا واللَّه الذي أقول في جرير فأنشده. فقام إليه الأخطل فقبّل رأسه وقال: لا جزاك اللَّه عنّي خيرا! لم كتمتني نفسك منذ اليوم! وأخذا في شرابهما وتناشدهما، إلى أن قال له الأخطل: واللَّه إنك وإيّاي لأشعر منه ولكنه أوتي من سير الشعر ما لم نؤته؛ قلت أنا بيتا ما أعلم أنّ أحدا قال أهجى منه، قلت:

  قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم ... قالوا لأمّهم بولي على النار

  فلم يروه إلَّا حكماء أهل الشعر. وقال هو:

  والتغلبيّ إذا تنحنح للقرى ... حكّ استه وتمثّل الأمثالا

  فلم تبق سقاة ولا أمثالها إلا رووه. فقضيا له أنه أسير شعرا منهما.

  كان له دار ضيافة فمر به عكرمة الفياض وهو لا يعرفه فأكرمه

  أخبرني إسماعيل بن يونس الشّيعيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال قال المدائنيّ:

  كان للأخطل الشاعر دار ضيافة، فمرّ به عكرمة الفيّاض وهو لا يعرفه، فقيل له: هذا رجل شريف قد نزل بنا.

  فلمّا أمسى بعث إليه فتعشّى معه، ثم قال له: أتصيب من الشراب شيئا؟ قال: نعم. قال: أيه؟ قال: كلَّه إلَّا شرابك. فدعا له بشراب يوافقه، وإذا عنده قينتان هما خلفه وبينه وبينهما ستر، وإذا الأخطل أشهب اللَّحية له ضفيرتان؛ فغمز الستر بقضيب في يده وقال: غنيّاني بأردية الشعر، فغنّتاه بقول عمرو بن شأس:

  /

  وبيض تطلَّى بالعبير كأنما ... يطأن وإن أعنقن⁣(⁣٢) في جدد وحلا

  لهونا بها يوما ويوما بشارب ... إذا قلت مغلوبا وجدت له عقلا

  السبب في مدحه عكرمة بن ربعي الفياض

  فأما السبب في مدح الأخطل عكرمة بن ربعيّ الفيّاض فأخبرنا به أبو خليفة عن محمد بن سلَّام قال:

  قدم الأخطل الكوفة فأتى حوشب بن رويم الشّيبانيّ، فقال: إني تحملت حمالتين لأحقن بهما دماء قومي فنهره، فأتى سيّار بن البزيعة، فسأله فاعتذر إليه، فأتى عكرمة الفيّاض، وكان كاتبا لبشر بن مروان، فسأله وأخبره بما ردّ عليه الرجلان؛ فقال: أمّا إني لا أنهرك ولا أعتذر إليك، ولكني أعطيك إحداهما عينا والأخرى عرضا. قال:

  وحدث أمر بالكوفة فاجتمع له الناس في المسجد، فقيل له: إن أردت أن تكافئ عكرمة يوما فاليوم. فلبس جبّة خزّ وركب فرسا وتقلَّد صليبا من ذهب وأتى باب المسجد ونزل عن فرسه. فلما رآه حوشب وسيّار نفسا عليه ذلك،


(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) الإعناق: سير فسيح سريع. والجدد: الطرق.