كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب الأشهب بن رميلة وأخباره

صفحة 186 - الجزء 9

  شرّكم ولا حربكم، ولا يحلّ لكم دمه، وإنّ قومه أحرّ من يقاتلكم وشوكتهم؛ فخذوا عليه العهد أن يصرفهم عنكم وخلَّوا سبيله. قالوا: افعل ما رأيت. فأتاه نهشل بن حرّيّ فقال له: يا أبا أسماء، إنّ قومك قد حالوا بيننا وبين حقّنا وقاتلوا دونه، وقد أمكننا اللَّه منك، وأنت واللَّه أوفى دما عندنا من بني رميلة، فو اللَّه لأقتلنّك أو تعطيني ما أسألك.

  قال: سل. قال: تجعل أن تصرف بني جرول جميعا، فإن لم يطيعوك انصرفت ببني أشيم، فإن لم يطيعوك أتيتنا.

  قال نعم. فخلَّي سبيله / تحت الليل. فأتاهم وهم بحيث يرى بعضهم بعضا فقال: يا بني جرول انصرفوا؛ أتعترضون على قوم يريدون حقّهم! ألا تتّقون اللَّه! واللَّه لقد أسرني القوم ولو أرادوا قتلي لكان / فيه وفاء بحقّهم، ولكنّهم يكرهون حربكم فلا تبغوا عليهم. فانصرف منهم أكثر من سبعين رجلا. فلما رأى ذلك بنو صخر وبنو جرول قالوا: واللَّه إنا لنظلم⁣(⁣١) قومنا إن قاتلناهم؛ وانصرفوا، وتخاذل القوم. فلما رأى ذلك الأشهب بن رميلة قال:

  ويلكم! أفي ضربة من عصا لم تصنع شيئا تسفكون دماءكم! واللَّه ما به من بأس، فأعطوا قومكم حقّهم. فقال حجناء ورباب: واللَّه لننصرفنّ فلنلحقنّ بغيركم ولا نعطي ما بأيدينا. فجعل الأشهب بن رميلة يقول: ويلكم! أتخرّبون دار قومكم في ضربة عصا لم تبلغ شيئا!. فلم يزل بهم حتى جاؤوا برباب فدفعوه إلى بني قطن، وأخذوا منهم أبا بدّال وهو المضروب فمات في تلك الليلة في أيديهم؛ فكتموه، وأرسلوا إلى عبّاد بن مسعود، ومالك بن ربعيّ، ومالك بن عوف، والقعقاع بن معبد، فعرضوا عليهم الدّية. فقالوا: وما الدّية وصاحبنا حيّ! قالوا: فإن صاحبكم ليس بحيّ. فأمسكوا وقالوا: ننظر. ثم جاؤوا إلى رباب فقالوا: أوصنا بما بدا لك. قال: دعوني أصلَّي. قالوا:

  صلّ. فصلَّى ركعتين ثم قال: أما واللَّه إنّي إلى ربّي لذو حاجة، وما منعني أن أزيد في صلاتي إلا أن تروا أن ذلك فرق من الموت، فليضربني منكم رجل شديد السّاعد حديد السيف. فدفعوه إلى أبي خزيمة بن نسير المكنيّ بأبي بدّال فضرب عنقه، فدفنوه؛ وذلك في الفتنة بعد مقتل عثمان بن عفّان. فقال الأشهب يرثي أخاه ويلوم نفسه في دفعه إليهم لتسكن الحرب:

  أعينيّ قلَّت عبرة من أخيكما ... بأن تسهرا ليل التّمام وتجزعا

  وباكية تبكي الرّباب وقائل ... جزى اللَّه خيرا ما أعفّ وأمنعا

  وأضرب في الهيجا إذا حمس الوغى ... وأطعم إذ أمسى المراضيع جوّعا

  / إذا ما اعترضنا من أخينا أخاهم ... روينا ولم نشف الغليل فينقعا

  قرونا دما والضّيف منتظر القرى ... ودعوة داع قد دعانا فأسمعا

  مردنا⁣(⁣٢) وكانت هفوة من حلومنا ... بثدي إلى أولاد ضمرة أقطعا

  وقد لامني قومي ونفسي تلومني ... بما فال رأيي في رباب وضيّعا


=

إنا بني نهشل لا ندّعي لأب ... عنه ولا هو بالأبناء يشرينا

إن تبتدر غاية يوما لمكرمة ... تلق السوابق منا والمصلينا

(انظر ترجمته في «الشعر والشعراء» ص ٤٠٤ - ٤٠٥).

(١) في أ، م: «لنضيع».

(٢) مرد الصبي ثدي أمه: مرسه.