كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

بعض أخبار إبراهيم بن المهدي

صفحة 330 - الجزء 10

  قال: ودجلة تطفح وبيننا وبينها نحو ذراعين وذلك في الربيع، فتأمّلت القصّة، فإذا هو قد سكر، وإذا الجارية لا تقوله كما أقوله أبدا. فقلت: هذه واللَّه داهية، ويتنغّص عليه يومه وأشرك في دمها، فعدلت عمّا كنت أغنّيه عليه وتركت ما كنت أقوله، وغنّيته كما كانت هي تقوله، وجعلت أردّده حتى انقضت ثلاث مرّات أعيده فيها على ما كانت هي تقوله، وأريته أنّى أجتهد. فلما انقضت الثلاث المرّات قلت لها: هاتيه الآن، فغنّته على ما كان وقع لها. فقلت: أحسنت يا أمير المؤمنين، وردّدته معها ثلاث مرّات، فطابت نفسه وسكن، وأمر لي بثلاثين ألف درهم.

  حدث لجحظة مع طرخان ما حدث له هو مع الأمين:

  قال جحظة: وقد لحقني مثل هذا؛ فإنّ طرخان⁣(⁣١) بن محمد بن إسحاق بن كنداجيق استحسن صوتا غنّيته وهو:

  أعياني الشّادن الرّبيب ... أكتب أشكو فلا يجيب

  من أين أبغي شفاء دائي ... وإنما دائي الطَّبيب

  - ولحنه رمل - فقال: أحبّ أن تطرحه على زهرة جاريتي، فمكثت أتردّد إليها شهرا وأكثر وأردّده عليها وهو يصلني ويخلع عليّ ويعطيني كلّ شيء حسن يكون في مجلسه، فلا تأخذه منّي ولا يقع لها. فلمّا كان بعد شهر قلت له: أيّها الأمير قد واللَّه استحييت من كثرة ما تعطيني بسبب هذا الصوت، وقد أعياني أن تأخذه زهرة؛ ثم حدّثته حديث إبراهيم بن المهديّ وقلت له: لولا أني آمنك عليها لقلته أنا كما تقوله هي حتى نتخلَّص جميعا.

  وليس وحياتك تأخذه أبدا كما أقوله ولا فيه حيلة. فقال لي: فدعه إذا.

  غنى بحضرة المأمون لحنا وأراد ابن بسخنر أن يأخذه عنه فضلله:

  حدّثني جحظة قال حدّثني هبة اللَّه بن إبراهيم قال حدّثني محمد بن الحارث بن بسخنّر قال:

  غنّى إبراهيم بن المهديّ يوما بحضرة المأمون:

  صوت

  يا صاح يا ذالضّامر العنس ... والرّحل ذي الأنساع والحلس

  أمّا النّهار فأنت تقطعه ... رتكا وتصبح مثل ما تمسي

  - في هذين البيتين لحن لمالك خفيف ثقيل عن يونس والهشاميّ. قال: ولمعبد فيه ثقيل أوّل، / وقد نسب قوم لحن كلّ واحد منهما إلى الآخر. قال محمد بن الحارث بن بسخنّر في الخبر: واللحن لمالك بن أبي السّمح وهو من قصاره. هكذا في الخبر - قال: فاستحسنه المأمون، وذهبت آخذه، ففطن لي إبراهيم فجعل يزيد فيه مرّة وينقص منه أخرى بزوائده التي كان يعملها في الغناء، وعلمت ما هو يصنع فتركته. فلمّا قام قلت للمأمون: يا سيّدي إن رأيت أن تأمر إبراهيم أن يلقي عليّ:

  يا صاح يا ذا الضّامر العنس


(١) كان من الأمراء. (انظر الكلام عليه في «صلة تاريخ الطبري» ص ٦٣).