كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

يوم شعب جبله

صفحة 93 - الجزء 11

  العرب إذ خرجت بنا هاربا⁣(⁣١)!. قال: فكيف أفعل وقد جاءنا ما لا طاقة لنا به! فما الرأي؟ قال: نرجع إلى شعب جبلة فتحرز النساء والضّعفة والذّراريّ والأموال في رأسه ونكون في وسطه ففيه ثمل⁣(⁣٢) (أي خصب وماء). فإن أقام من جاءك أسفل أقاموا على غير ماء ولا مقام لهم، وإن صعودا عليك قاتلتهم من فوق رؤوسهم بالحجارة، فكنت في حرز وكانوا في غير حرز، وكنت على قتالهم أقوى منهم على قتالك. قال: هذا واللَّه الرأي، فأين كان هذا عنك حين استشرت الناس؟ قال: إنما جاءني الآن. قال الأحوص للناس: ارجعوا فرجعوا. ففي ذلك يقول نابغة لبني جعدة:

  ونحن حبسنا الحيّ عبسا وعامرا ... لحسّان وابن الجون إذ قيل أقبلا

  وقد صعدت وادي بحار⁣(⁣٣) نساؤهم ... كإصعاد⁣(⁣٤) نسر لا يرومون منزلا

  عطفنا لهم عطف الضّروس فصادفوا ... من الهضبة الحمراء عزّا ومعقلا⁣(⁣٥)

  - الضّروس: الناقة العضوض⁣(⁣٦) - فدخلوا شعب جبلة. وجبلة: هضبة حمراء بين / الشّريف / والشّرف.

  والشّريف: ماء لبني نمير. والشّرف: ماء لبني كلاب. وجبلة: جبل عظيم⁣(⁣٧) له شعب عظيم واسع، لا يؤتى⁣(⁣٨) الجبل إلا من قبل الشّعب، والشّعب متقارب [المدخل⁣(⁣٩)] وداخله متّسع، وبه اليوم عرينة من بجيلة.

  دخولهم شعب جبلة:

  فدخلت بنو عامر شعبا منه يقال له مسلَّح، فحصّنوا النساء والذراريّ والأموال في رأس الجبل، وحلَّوا الإبل عن الماء، واقتسموا الشّعب بالقداح فأقرع بين القبائل في شظاياه⁣(⁣١٠)، فخرجت بنو تميم ومعهم بارق (حيّ من الأزد حلفاء يومئذ لبني نمير. وبارق هو سعد بن عديّ بن حارثة بن عمرو⁣(⁣١١) مزيقياء بن عامر ماء السماء. وسمّي مزيقياء لأنه كان يمزّق عليه كلّ يوم حلَّة) فولجوا الخليف (والخليف: الطريق بين الشّعبين شبه الزّقاق⁣(⁣١٢)) لأنّ سهمهم تخلَّف. وفيه يقول معقّر بن أوس بن حمار البارقيّ:

  ونحن الأيمنون بنو نمير ... يسيل⁣(⁣١٣) بنا أمامهم الخليف


(١) في «أ، م، ح»: «هرابا» جمع هارب.

(٢) في «الأصول»: «ففيه تمثل». والتصويب من «النقائض».

(٣) في «النقائض» و «معجم البلدان»: «عن ذي بحار». وراجع الحاشية الخامسة في الصفحة السابقة.

(٤) في «الأصول»: «لإصعاد سير». والتصويب من «النقائض» و «معجم البلدان».

(٥) كذا في «ج» و «النقائض» و «معجم البلدان». وفي «سائر الأصول»: «ومفضلا» وهو تحريف.

(٦) الضروس: الناقة الحديثة النتاج. وإنما سميت ضروسا لأنه يعتريها عند نتاجها عضاض أياما حذارا على ولدها ثم يذهب عنها.

(٧) في «النقائض»: «طويل».

(٨) في «الأصول»: «لا ترى الجبل ...». والتصويب من «النقائض».

(٩) التكملة من «النقائض».

(١٠) في «الأصول»: «بالقداح والقرع بين القبائل في شكاياه» والتصويب من «النقائض». والشظايا: القطع من رؤوس الجبال، الواحدة شظية.

(١١) في «الأصول»: ... عمرو بن مزيقياء بن عامر بن ماء السماء». ومزيقياء لقب عمرو، وماء السماء لقب عامر.

(١٢) الزقاق: الطريق الضيق.

(١٣) في «الأصول»: «يسير». والتصويب من «النقائض».