بعض أخبار عبد الله بن طاهر
  في قومي أفخر بهم لم أطعن فيه على حسبك ولا ادّعيت فضلا عليك. وفخرت بقتل رجل هو وإن كان من قومك، فهم القوم الذين ثأرك عندهم؛ فكان يسعك السكوت، أو إن لم تسكت لا تغرق ولا تسرف. فقال: أيها الأمير، قد عفوت، فاجعله العفو الذي لا يخلطه تثريب، ولا يكدّر صفوه تأنيب. قال: قد فعلت، فقم بنا ندخل إلى منزلك حتّى نوجب عليك حقّا بالضّيافة. فقام مسرورا فأدخلنا، فأتى بطعام كان قد أعدّه، فأكلنا وجلسنا / نشرب في مستشرف له. وأقبل الجيش، فأمرني عبد اللَّه أن أتلقّاهم فأرحّلهم، ولا ينزل أحد منهم إلَّا في المنزل، وهو على ثلاثة فراسخ؛ [فنزلت فرّحلتهم. وأقام عنده إلى العصر](١). ثم دعا بدواة فكتب له بتسويغه خراجه ثلاث سنين، وقال له: إن نشطت لنا فالحق بنا، وإلَّا فأقم بمكانك. فقال: فأنا أتجهّز وألحق بالأمير. ففعل فلحق بنا بمصر.
  ولم يزل مع عبد اللَّه لا يفارقه حتى رحل إلى العراق، فودّعه وأقام ببلده.
  بعض الأشعار التي غنى فيها وذكر بعض أخبار استدعاها بيانها
  فأمّا الأصوات التي غنّى فيها عبد اللَّه بن طاهر فكثيرة(٢). وكان عبيد اللَّه بن عبد اللَّه إذا ذكر شيئا منها قال:
  الغناء للدّار الكبيرة، وإذا ذكر شيئا من صنعته قال: الغناء للدار الصغيرة فمنها ومن مختارها وصدورها ومقدّمها لحنه في شعر أخت [عمرو بن](٣) عاصية - وقيل: إنه لَّاخت مسعود بن شدّاد - فإنه صوت نادر جيّد. قال أبو العبيس بن حمدون وقد ذكره ففضّله: جاء(٤) به عبد اللَّه بن طاهر صحيح العمل مزدوج النّغم بين لين وشدّة على رسم الحذّاق من القدماء، وهو:
  صوت
  هلَّا سقيتم بني سهم أسيركم ... نفسي فداؤك من ذي غلَّة صادى
  الطاعن الطَّعنة النّجلاء يتبعها ... مضرّج بعد ما جادت بإزباد
  الشعر لأخت عمرو بن عاصية السّلميّ [ترثيه](١). وكان بنو سهم، وهم بطن من هذيل، أسروه في حرب كانت بينهم ولم يعرفوه، فلمّا عرفوه قتلوه. وكان قد عطش فاستسقاهم، فمنعوه وقتلوه على عطشه. وقيل: إنّ هذا الشعر للفارعة أخت مسعود بن شدّاد. ولحن عبد اللَّه بن طاهر خفيف ثقيل أوّل بالوسطى ابتداؤه استهلال.
  / أخبرني أحمد بن عبد العزيز(٥) الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلَّبي قالا حدّثنا عمر بن شبة قال:
  قتلت بنو سهم، وهم بطن من هذيل، عمرو بن عاصية السّلميّ، وكان رجلان منهم أخذاه أخذا، فاستسقاهما ماء فمنعاه ذلك، ثم قتلاه. فقالت أخته ترثيه، وتذكر ما صنعوا به:
(١) التكملة عن ف.
(٢) في بعض الأصول: «فكبيرة» بالباء الموحدة، تصحيف.
(٣) التكملة من ف ومما سيأتي بعد أسطر.
(٤) كذا في ف. وفي ط: «وقال جاء به». وفي سائر الأصول: «قال ما جاء ...».
(٥) في أكثر الأصول: «محمد بن عبد العزيز». والتصويب من ف.