كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

7 - أخبار العرجي ونسبه

صفحة 309 - الجزء 1

  سكن الناس بالظَّواهر منها ... وتبوّا لنفسه بطحاها⁣(⁣١)

  قال إسحاق: ولمّا تزوّج الرشيد زوجته العثمانيّة أعجب بها، فكان كثيرا ما يتمثّل بهذه الأبيات.

  العرجي وأبو عدي العبلي

  أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:

  / حدّثت أنّ أبا عديّ العبليّ خرج يريد واديا نحو الطائف يقال له جلدان⁣(⁣٢)، فمرّ بعبد اللَّه بن عمر العرجيّ وهو نازل هناك بواد يقال له العرج، فأرسل إليه غلاما له فأعلمه بمكانه، فأتاه الغلام فقال له: هذا أبو عديّ، فأمر أن ينزله في مسجد الخيف⁣(⁣٣)، فأنزله وأبطأ عليه في الخروج. فقال للغلام: ويحك! ما يحبس مولاك؟ قال: عنده ابن وردان مولى معاوية، وهما يأكلان القسب⁣(⁣٤) والجلجلان⁣(⁣٥). ثم بعث إليه بخبز ولبن، وبعث لرواحله بحمض⁣(⁣٦) وقدّم إلى رواحل ابن وردان القتّ⁣(⁣٧) والشّعير. فكتب أليه أبو عديّ:

  أبا عمر لم تنزل الركب إذ أتوا ... منازلهم والرّكب يحفون⁣(⁣٨) بالرّكب

  رفعت لئام الناس فوق كرامهم ... وآثرتهم بالجلجلان والقسب

  فأمّا بعيرانا فبالحمض غذّيا⁣(⁣٩) ... وأوثر عبّاد بن وردان بالقضب⁣(⁣١٠)

  فكتب إليه العرجيّ:

  أتانا فلم نشعر به غير أنّه ... له لحية طالت على حمق القلب

  / كراية بيطار⁣(⁣١١) بأعلى حديدة⁣(⁣١٢) ... إذا نصبت لم تكسب الحمد بالنّصب

  أتانا على سغب⁣(⁣١٣) يعرّض بالقرى ... وهل فوق قرض من قرى صاحب السّغب

  قال: فارتحل أبو عديّ مغضبا وقال: مزحت معه فهجاني، وأنشأ يقول في العرجيّ:


(١) انظر الكلام على قريش الظواهر وقريش البطاح في الحاشية رقم ٣ ص ٢٥٤ من هذا الجزء.

(٢) قال ياقوت: جلدان - بكسر الجيم وسكون اللام، واختلف في الدال فمنهم من رواها مهملة ومنهم من رواها معجمة -: موضع قرب الطائف يسكنه بنو نصر بن معاوية من هوزان.

(٣) كذا في ب، س، ح. والظاهر من سياق الحكاية أنه غير مسجد الخيف المعروف بمنى. وفي سائر النسخ: «الضيف» ولم تترجح عندنا إحدى الروايتين.

(٤) القسب: التمر اليابس يتفتت في الفم صلب النواة.

(٥) الجلجلان: السمسم.

(٦) الحمض: ما ملح وأمرّ من النبات وهو كفاكهة الإبل تأكله عند سآمتها من الخلة. وهي ما حلا من النبات.

(٧) في «المصباح»: القت: الفصفصة إذا يبست. وقال الأزهري: القت: حب بريّ لا ينبته الآدمي، فإذا كان عام قحط وفقد أهل البادية ما يقتاتون به من لبن وتمر ونحوه، دقوه وطبخوه واجتزؤا به على ما فيه من الخشونة.

(٨) حفي به يحفى حفاوة وحفاية: بالغ في إكرامه.

(٩) في ت، أ، م، ء: «ففي الحمض عديا».

(١٠) تقدّم أن الذي قدّم لرواحل ابن وردان هو القت والشعير. فلعله يريد بالقضب هنا القت وهو أحد معانيه؛ لأن أهل مكة يسمون القت القضب.

(١١) البيطار: معالج الدواب، من البطر وهو الشقّ. وراية البيطار يضرب بها المثل في الشهرة فيقال: «أشهر من راية البيطار».

(١٢) في ح: «جريدة».

(١٣) السغب بسكون الغين وتحريكها: الجوع. وفي ت، أ، ء، م: «سقب» بالقاف وهو تحريف.