كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار قلم الصالحية

صفحة 234 - الجزء 13

  فما يجوز أن أملك شيئا له فيه رغبة، وقد أهديتها إلى أمير المؤمنين، فإنّ من حقّها عليّ إذا تناهيت في قضائه أن أصيّرها ملكه، فبارك اللَّه له فيها. فقال له الواثق: قد قبلتها. وأمر ابن الزيات أن يدفع إليه خمسة آلاف دينار، وسماها احتياطا، فلم يعطه ابن الزيات المال ومطله به، فوجّه صالح إلى قلم من أعلمها ذلك، فغنت الواثق وقد اصطبح صوتا، فقال لها: بارك اللَّه فيك وفيمن ربّاك. فقالت: يا سيدي وما نفع من ربّاني منّي إلا التعب والغرم عليّ والخروج منّي صفرا؟ قال: أو لم آمر له بخمسة آلاف دينار؟ قالت: بلى! ولكنّ ابن الزيّات لم يعطه شيئا. فدعا بخادم من خاصّة الخدم ووقّع إلى آبن الزيات بحمل الخمسة آلاف الدينار إليه، وخمسة آلاف دينار أخرى معها.

  قال صالح: فصرت مع الخادم إليه بالكتاب، فقربني وقال: أما الخمسة الآلاف الأولى فخذها فقد حضرت، والخمسة الآلاف الأخرى أنا أدفعها إليك بعد جمعة. فقمت، ثم تناساني كأنه لم يعرفني، وكتبت أقتضيه، فبعث إليّ: اكتب لي قبضا⁣(⁣١) بها وخذها بعد جمعة. فكرهت أن أكتب قبضا بها فلا يحصل لي شيء، فاستترت وهو في منزل صديق / لي؛ فلما بلغه استتاري خاف أن أشكوه إلى الواثق، فبعث إليّ بالمال وأخذ كتابي بالقبض. ثم لقيني الخادم بعد ذلك فقال لي: أمرني أمير المؤمنين أن أصير إليك فأسألك، هل قبضت المال؟ قلت: نعم قد قبضته.

  قال صالح: وابتعت بالمال ضيعة وتعلَّقت بها وجعلتها معاشي، وقعدت عن عمل / السلطان فما تعرضت منه لشيء بعدها.

  علي بن الجهم يمدح الواثق

  أخبرني محمّد بن يحيى قال أخبرني ابن إسحاق الخراسانيّ. قال: وحدّثني محمّد بن مخارق قال:

  لما بويع الواثق بالخلافة دخل عليه علي بن الجهم فأنشده قوله:

  قد فاز ذو الدّنيا وذو الدّين ... بدولة الواثق هارون

  وعمّ بالإحسان من فعله ... فالناس في خفض وفي لين

  ما أكثر الداعي له بالبقا ... وأكثر التّالي بآمين

  وأنشده أيضا قوله فيه:

  وثقت بالملك الوا ... ثق باللَّه النّفوس

  ملك يشقى به الما ... ل ولا يشقى الجليس

  أسد تضحك عن شدّ ... اته الحرب العبوس

  أنس السيف به واس ... توحش العلق النفيس⁣(⁣٢)

  يا بني العباس يأ ... بي اللَّه إلَّا أن تسوسوا

  / قال: فوصله الواثق صلة سنيّة.


(١) القبض: الملك.

(٢) العلق: النفيس من كل شيء، والثوب الكريم.