كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار محمد الزف

صفحة 380 - الجزء 14

  قديما، وقد أخذه عني مخارق وعقيد، فقال: غنّياه. فغنّياه، فوثب ابن جامع فجلس بين يديه ثم حلف بالطلاق ثلاثا بأنه صنعه في ليلته الماضية، ما سبق إليه ابن جامع أحد، فنظر الرشيد إليّ، فغمزته بعيني أنه صدق، وجدّ الرشيد في العبث به بقيّة يومه، ثم سألني بعد ذلك عن الخبر، فصدّقته عنه وعن الزّفّ، فجعل يضحك ويقول: لكل شيء آفة، وآفة ابن جامع الزّفّ، قال حماد: وللزّف صنعة يسيرة جيّدة منها في الرمل الثاني:

  صوت

  لمن الظعائن سيرهنّ تزحّف ... عوم السّفين إذا تقاذف مجذف⁣(⁣١)

  مرّت بذي حسم كأنّ حمولها ... نخل بيثرب طلعها متزحّف⁣(⁣٢)

  فلئن أصابتني الحروب لربّما ... أدعى إذا منع الرّداف فأردف⁣(⁣٣)

  فأثير غارات وأشهد مشهدا ... قلب الجبان به يطيش فيرجف

  قال: ومن مشهور صنعته في هذه الطريقة:

  صوت

  إذا شئت غنّتني بأجراع بيشة ... أو النخل من تثليث أو من يلملما⁣(⁣٤)

  مطوّقة طوقا وليس بحلية ... ولا ضرب صوّاغ بكفّيه درهما

  تبكَّي على فرخ لها ثم تغتدي ... مدلَّهة تبغي له الدهر مطعما⁣(⁣٥)

  تؤمل منه مؤنسا لانفرادها ... وتبكي عليه إن زقا أو ترنما⁣(⁣٦)

  ومن صنعته في هذه الطريقة:

  صوت

  يا زائرينا من الخيام ... حيّاكما اللَّه بالسلام

  يحزنني أن أطعتماني ... ولم تنالا سوى الكلام


(١) تزحف: من تزحف الصبي على الأرض أو على بطنه، قبل أن يمشي. والسفين: جمع سفينة، ومجداف السفينة ومجذافها بالدال وبالذال: لغتان فصيحتان. وفي ج «يحذف».

(٢) ذو حسم: موضع بالبادية، وجاء في شعر المهلهل:

أليلتنا بذي حسم أنيري ... إذا أنت انقضيت فلا تحوري

والحمول: الهوادج، أو الإبل عليها الهوادج، واحدها حمل بالكسر ويفتح، يثرب: المدينة المنورة.

(٣) أردفه معه: أركبه؛ وردفه بالكسر وأردفه: ركب خلفه.

(٤) بيشة: من عمل مكة مما يلي اليمن، وهي من مكة على خمس مراحل، بها من النخل شيء كثير. وفي ج، وب «شيبة».

والأجراع: جمع جرع بالتحريك، وهو الرملة الطيبة المنبتة السهلة المستوية. تثليث: موضع بالحجاز قرب مكة. يلملم: موضع على ليلتين من مكة، وهو ميقات أهل اليمن.

(٥) المدله: الساهي القلب، الذاهب العقل.

(٦) زقا الطائر يزقو: صاح.