كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عروة بن الزبير

صفحة 156 - الجزء 17

  فلما قدم المدينة نزل قصره بالعقيق، فأتاه ابن المنكدر، وقال: كيف كنت؟ فقال: {لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً}⁣(⁣١).

  عيسى بن طلحة يعزيه أكرم عزاء

  قال الزبير: وحدّثني عبد الملك بن عبد العزيز، عن ابن الماجشون: أنّ عيسى بن طلحة جاء إلى عروة بن الزّبير حين قدم من عند الوليد بن عبد الملك، وقد قطعت رجله، فقال عروة لبعض بنيه: اكشف لعمّك عن رجلي ينظر إليها، ففعل، فقال له عيسى: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، يا أبا عبد اللَّه، ما أعددناك للصراع ولا للسباق، ولقد أبقى اللَّه لنا منك ما كنا نحتاج إليه منك: رأيك وعلمك. فقال عروة: ما عزّاني أحد عن رجلي مثلك.

  الوليد بن عبد الملك يبعث إليه بمن هو أعظم بلاء منه

  قال الزبير: وحدثني مصعب بن عثمان، عن عامر بن صالح، عن هشام بن عروة:

  أنه قدم على الوليد رجل من عبس ضرير محطوم الوجه، فسأله عن سبب ذلك، فقال: بتّ ليلة في بطن واد، ولا أعلم في الأرض عبسيّا يزيد ماله على مالي، فطرقنا سيل، فذهب بما كان لي من أهل ومال وولد إلَّا صبيّا مولودا وبعيرا ضعيفا، فندّ البعير والصبيّ معي، فوضعته، / واتبعت البعير، فما جاوزت ابني قليلا إلَّا ورأس الذئب في بطنه، فتركته، واتّبعت البعير، فرمحني رمحة حطم بها وجهي، وأذهب عيني، فأصبحت لا ذا مال ولا ذا ولد ولا ذا بصر.

  عمر بن أبي ربيعة يسأل عن محمد بن عروة

  فقال الوليد بن عبد الملك: اذهبوا به إلى عروة ليعلم أنّ في الناس من هو أعظم بلاء منه.

  أخبرني حبيب بن نصر المهلبيّ، وعمر بن عبد العزيز بن أحمد⁣(⁣٢)، ومحمد بن العباس اليزيديّ، وجماعة أخبروني قالوا: حدثنا الزّبير بن بكار، قال: حدثني عمّي، عن جدي، عن هشام بن عروة قال:

  خرجت مع أبي عروة بن الزبير حاجّا، ومعنا أخي محمد بن عروة، وكان من أحسن الناس وجها، فلما كنّا في بعض الطريق إذا نحن بعمر بن أبي ربيعة يكلَّم بعضنا، فقلنا: هذا أبو الخطاب لو سايرناه، فرآنا عروة، فقال:

  فيم أنتم؟ قلنا: هذا عمر بن أبي ربيعة، فضرب عروة إليه راحلته، فلما رآها عمر عدل إليه فسلَّم عليه، ثم قال:

  وأين زين المواكب؟ - يعني محمد بن عروة - فقال: قد تقدّم، فعدل عن عروة واتبع محمدا، فقال له عروة: نحن أكفى لك وأولى أن تسايرنا، فقال: إني رجل موكل بالجمال أتبعه حيث كان، وضرب راحلته ومضى.

  صوت

  يا بني الصّيداء ردّوا فرسي ... إنما يفعل هذا بالذّليل

  / عوّدوا مهري الذي عوّدته ... دلج الليل وإيطاء القتيل

  واستباء الزّقّ من حاناته ... شائل الرّجلين معصوبا يميل


(١) سورة الكهف ٦٢.

(٢) «بيروت»: «وأحمد بن عبد العزيز الجوهري».