كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار زيد الخيل ونسبه

صفحة 164 - الجزء 17

  ووقفت مستسلما؛ فدنا مني وأخذ السيف والقوس، ثم قال: ارتدف خلفي، وعرف أني الرجل الذي شربت اللَّبن عنده، فقال: كيف ظنّك بي؟ قلت: أسوأ ظنّ⁣(⁣١). قال: وكيف؟ قلت: لما لقيت من تعب ليلتك، وقد أظفرك اللَّه بي، فقال: أترانا كنّا نهيجك، وقد بتّ / تنادم مهلهلا؟ قلت: أزيد الخيل أنت؟ قال: نعم، أنا زيد الخيل، فقلت:

  كن خير آخذ، فقال: ليس عليك بأس.

  فمضى إلى موضعه الذي كان فيه، ثم قال: أما لو كانت هذه الإبل لي لسلمتها إليك، ولكنها لبنت مهلهل، فأقم عليّ؛ فإني على شرف غارة.

  فأقمت أياما، ثم أغار على بني نمير بالملح، فأصاب مائة بعير، فقال: هذه أحبّ إليك أم تلك؟ قلت: هذه، قال: دونكها. وبعث معي خفراء من ماء إلى ماء، حتى وردوا بي الحيرة، فلقيني نبطيّ: فقال لي: يا أعرابيّ، أيسرّك أنّ لك بإبلك بستانا من هذه البساتين؟ قلت: وكيف ذاك؟ قال: هذا قرب مخرج نبيّ يخرج فيملك هذه الأرض، ويحول بين أربابها وبينها، حتى إن أحدهم ليبتاع البستان من هذه البساتين بثمن بعير.

  قال: فاحتملت بأهلي حتى انتهيت إلى موضع الشّيّطين⁣(⁣٢) فبينما نحن في الشّيّطين⁣(⁣٣) على ماء لنا، وقد كان الحوفزان بن شريك أغار على بني تميم، فجاءنا رسول اللَّه فأسلمنا، وما مضت / الأيام حتى شربت بثمن بعير من إبلي بستانا بالحيرة. فقال في يوم الملح زيد الخيل:

  ويوم الملح ملح بني نمير ... أصابتكم بأظفار وناب

  يسأل النبي عن حكم ما تصيده الكلاب من الوحش

  أخبرني محمد بن الحسن بن دريد، قال: أخبرني عمّي عن ابن الكلبيّ، عن أبيه، والشرقي:

  أنّ زيد الخيل قال للنبي : إن في الحيّ رجلين لهما كلاب مضرّيات⁣(⁣٤) تصيد الوحش، أفنأكل مما أمسكته / ولم تدرك ذكاته؟ فقال: «إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم اللَّه عليه وكل مما أمسك»، أو كما قال #.

  ليلى بنت عروة أنشدت شعرا لأبيها في يوم محجر

  أخبرني الحسين بن يحيى، عن حماد بن إسحاق، عن أبيه إسحاق، عن الهيثم بن عديّ، عن حمّاد الراوية، عن ابن أبي ليلى، قال:

  أنشدتني ليلى بنت عروة بن زيد الخيل الطائي شعر أبيها في يوم محجّر⁣(⁣٥):

  بني عامر هل تعرفون إذا غدا ... أبو مكنف قد شدّ عقد الدوابر⁣(⁣٦)

  بجيش تضلّ البلق في حجراته ... ترى الأكم فيه سجّدا للحوافر


(١) كذا في ج، وفي ب، س، ما: «أحسن الظن».

(٢) كذا في ما. وفي ب، س: سقط اسمه من الكتاب.

(٣) الشيطان: واديان في ديار بني تميم لبني دارم، ويوم الشيطين من أيامهم.

(٤) مضريات: معلمات للصيد.

(٥) أ: «محجن»، تحريف. وفي البلدان: محجر، بالضم ثم الفتح وكسر الجيم المشددة، وقد تفتح. والأبيات في الكامل ١: ٣٥٨.

(٦) س والمختار: «الدوائر»، والمثبت يوافق ما في الكامل.