كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

خبر للأحوص

صفحة 226 - الجزء 17

  سفرت وما سفرت لمعرفة⁣(⁣١) ... وجها أغرّ كأنّه البدر

  قال إسماعيل⁣(⁣٢) بن محمد: فخرجت وأنا شابّ ومعي شباب نريد مسجد رسول اللَّه ، فذكرنا حديث الأحوص وشعره، وقدّامنا عجوز عليها بقايا من الجمال، فلما بلغنا المسجد وقفت علينا والتفتت إلينا، وقالت:

  يا فتيان، أنا واللَّه إحدى الخمس، كذب وربّ هذا القبر والمنبر ما خلت معه واحدة منّا، ولا راجعته دون نسوتها كلاما.

  رواية أخرى في سبب قوله هذا الشعر

  قال الزبير: / وحدثني غير إبراهيم بن عبد الرحمن:

  أنّ نسوة من أهل المدينة نذرن مشيا إلى قباء⁣(⁣٣) وصلاة فيه، فخرجن ليلا، فطال عليهنّ الليل فنمن، فجاءهنّ الأحوص متّكئا على عرجون / بن طاب⁣(⁣٤)، فتحدّث معهنّ حتى أصبح، ثم انصرف وانصرفن، فقال قصيدته:

  خمس دسسن إليّ في لطف ... حور العيون نواعم زهر

  وحدثني عمّي، عن أبيه، قال: قال حبيب بن ثابت:

  صدرت إلى العقيق، فخلا لي الطريق، فأنشدت أبيات الأحوص هذه، وعجوز سوداء قاعدة ناحية تسمع ما أقول ولا أشعر بها، فقالت: كذب واللَّه يا سيّدي؛ إنّ سيفه ليلتئذ لعرجون ابن طاب يتحضّر به، وإني لرسولهنّ إليه.

  قال الزبير: وحدثني عمّي، عن أبيه، عن الزّبير⁣(⁣٥) بن حبيب، قال: كنت أنشد قول الأحوص:

  خمس دسسن إليّ في لطف

  قال: فإذا نسوة فيهنّ عجوز سوداء، فأقبلن على العجوز، فقلن لها: لمن هذا الشعر؟ قالت: للأحوص، فقلت⁣(⁣٦): للأحوص لعمري، فقالت لهن: أنا واللَّه الجريّ، خرج نسوة يصلَّين في مسجد قباء، ثم تحدّثن في رحبة المسجد، في ليلة مقمرة، فقلن: لو كان عندنا الأحوص! فخرجت حتى أتيتهنّ به، وهو متخصّر بعرجون ابن طاب، فتحدّث معهنّ حتى دنا الصبح، فقلن له: لا تذكر خبرنا، ولا تذكر إليه خيرا، قال: قد فعلت، وأنشدهنّ تلك الساعة من الليلة تلك الأبيات، ثم استمرت بأفواه الناس تغنّي:

  خمس دسسن إليّ في لطف

  الأبيات كلَّها، واللَّه ما قامت معه امرأة ولا كان بينه وبين واحدة منهن سرّ⁣(⁣٧).


(١) ف: «بمعرفة».

(٢) كذا في ف، وفي باقي النسخ: «محمد بن إسماعيل».

(٣) أي مسجد قباء.

(٤) ابن طاب: جنس من تمور المدينة، المضاف والمنسوب. وفي ف: «بعرجون مرطاب».

(٥) كذا في النسخ، وتأمل السند السابق.

(٦) في ج، ف: «فقلن».

(٧) ف: «ستر».