ذكر أشعب وأخباره
  بين أشعب وابنه
  أخبرنا أحمد، قال: حدّثني محمد بن القاسم، قال: حدّثني عليّ بن محمد النوفليّ، قال: سمعت أبي يحكي عن بعض المدنيين، قال:
  كبر أشعب فملَّه الناس وبرد عندهم، ونشأ ابنه فتغنّى وبكى وأندر(١)، فاشتهى الناس ذلك، فأخصب وأجدب أبوه، فدعاه يوما وجلس هو وعجوزه، وجاء ابنه وامرأته فقال له: بلغني أنك قد تغنّيت وأندرت وحظيت(٢)، وأن الناس قد مالوا إليك فهلم حتى أخايرك(٣)، قال: نعم، فتغنّى أشعب فإذا هو قد انقطع وأرعد، وتغنّى ابنه فإذا هو حسن الصوت مطرب، وانكسر أشعب ثم أندر فكان الأمر كذلك، ثم خطبا فكان الأمر كذلك، فاحترق أشعب فقام فألقى ثيابه، ثم قال: نعم، فمن أين لك مثل خلقي؟ من لك بمثل حديثي؟ قال: وانكسر الفتى، فنعرت(٤) العجوز ومن معها عليه.
  حديثه عن وفاة بنت الحسين بن علي
  أخبرني أحمد، قال: حدّثني عبد اللَّه بن عمرو بن أبي سعد، قال: حدّثني عليّ بن الحسين(٥) بن هارون، قال: حدّثني محمد بن عباد بن موسى، قال: حدّثني محمد بن عبد اللَّه بن جعفر بن سليمان وكان جارنا هنا، قال:
  حدّثني محمد بن حرب الهلاليّ - وكان على شرطة محمد بن سليمان - قال:
  دخلت على جعفر بن سليمان وعنده أشعب يحدّثه قال:
  / كانت بنت حسين بن عليّ عند عائشة بنت عثمان تربّيها حتى صارت امرأة، وحج الخليفة فلم يبق في المدينة خلق من قريش إلا وافى الخليفة إلا من لا يصلح لشيء، فماتت بنت حسين بن عليّ، فأرسلت عائشة إلى محمد بن عمرو بن حزم وهو والي المدينة، وكان عفيفا حديدا(٦) عظيم اللَّحية، له جارية موكَّلة بلحيته إذا ائتزر لا يأتزر عليها، وكان إذا جلس للناس جمعها ثم أدخلها تحت فخذه. فأرسلت عائشة: يا أخي قد ترى ما دخل عليّ من المصيبة بابنتي، وغيبة(٧) أهلي وأهلها، وأنت الوالي، فأمّا ما يكفي النساء من النساء فأنا أكفيكه بيدي وعيني، وأما ما يكفي الرجال من الرجال فاكفنيه، مر بالأسواق أن ترفع، وأمر بتجويد عمل نعشها، ولا يحملها إلا الفقهاء الألبّاء من قريش بالوقار والسكينة، وقم على قبرها ولا يدخله إلا قرابتها من ذوي الحجا والفضل، فأتى ابن حزم رسولها حين تغدّى ودخل ليقيل، فدخل عليه فأبلغه رسالتها، فقال ابن حزم لرسولها: أقرئ ابنة المظلوم السّلام وأخبرها أني قد سمعت الواعية(٨) وأردت الركوب إليها فأمسكت عن الركوب حتى أبرد، ثم أصلَّي، ثم أنفّذ كلّ ما أمرت به. وأمر حاجبه وصاحب شرطته برفع الأسواق، ودعا الحرس وقال: خذوا السّياط حتى تحولوا بين
(١) أندر: أتى بنادر من قول أو فعل.
(٢) ب: «وخطبت».
(٣) خايره في كذا: غالبه فغلبه وكان خيرا منه.
(٤) نعرت العجوز: صاحت وصخبت.
(٥) ب: «علي بن الحسن».
(٦) رجل حديد: فيه بأس وشدّة.
(٧) ف: «ونجيبة أهلي وأهلها».
(٨) الواعية: الصراخ على الميت.