أخبار عبد الله بن العباس الربيعي
  يقول لي: كيف أصب ... حت كيف يصبح مثلي!
  لما قلت هذا القول، واللَّه لو لم يكن لك شعر في عمرك كله إلا قولك: «كيف يصبح مثلي» لكنت شاعرا مجيدا.
  حدّثني جحظة، قال: حدّثني أحمد بن الطَّيّب، قال: حدّثني حمّاد بن إسحاق، قال:
  سمعت عبد اللَّه بن العبّاس الرّبيعيّ يقول: أنا أوّل من غنّى بالكنكلة(١) في الإسلام ووضعت هذا الصوت عليها:
  أتاني يؤامرني في الصّبو ... ح ليلا فقلت له: غادها
  سبب تعلمه الغناء
  حدّثني جعفر بن قدامة، قال: حدّثنا عليّ بن يحيى المنجّم، قال: حدّثني عبد اللَّه بن العبّاس الربيعيّ، قال:
  كان سبب دخولي في الغناء وتعلَّمي إياه أنّي كنت أهوى جارية لعمّتي رقيّة بنت الفضل بن الرّبيع، فكنت لا أقدر على ملازمتها والجلوس معها خوفا من أن يظهر ما لها عندي فيكون ذلك سبب منعي منها، فأظهرت لعمّتي أنني أشتهي أن أتعلَّم الغناء ويكون ذلك في ستر عن جدّي، وكان جدّي وعمّتي في حال من الرّقة عليّ والمحبّة لي لا نهاية وراءها، لأنّ أبي توفّي في حياة جدّي الفضل، فقالت: يا بنيّ، وما دعاك إلى ذلك؟ فقلت: شهوة غلبت على قلبي إن منعت منها متّ غمّا، وكان لي في الغناء طبع قويّ، فقالت لي: أنت أعلم وما تختاره، واللَّه ما أحبّ منعك من شيء، وإني لكارهة أن تحذق ذلك وتشهر به فتسقط ويفتضح أبوك وجدّك، فقلت: لا تخافي ذلك، فإنما آخذ منه مقدار ما ألهو به، ولازمت الجارية لمحبّتي إيّاها بعلَّة الغناء، فكنت آخذ عنها وعن صواحباتها حتى تقدّمت الجماعة حذقا، وأقررن لي بذلك، وبلغت ما كنت أريد من أمر الجارية، وصرت ألازم مجلس جدّي فكان يسرّ بذلك ويظنّه تقرّبا مني إليه، وإنما كان وكدي فيه أخذ الغناء، فلم يكن يمرّ لإسحاق ولا لابن جامع ولا للزّبير بن دحمان ولا لغيرهم صوت إلا أخذته، فكنت سريع الأخذ، وإنما كنت أسمعه مرّتين أو ثلاثا، وقد صحّ لي وأحسست من نفسي قوّة في الصّناعة، فصنعت أول صوت صنعته في شعر العرجيّ:
  أماطت كساء الخزّ عن حرّ وجهها ... وأدنت على الخدّين بردا مهلهلا
  ثم صنعت في:
  أقفر من بعد خلَّة سرف ... فالمنحنى فالعقيق فالجرف(٢)
  / وعرضتهما على الجارية الَّتي كنت أهواها وسألتها عمّا عندها فيهما، فقالت: لا يجوز / أن يكون في الصّنعة شيء فوق هذا، وكان جواري الحارث بن بسخنّر(٣) وجواري ابنه محمد يدخلن إلى دارنا فيطرحن على جواري
(١) مي، مد: «بالكبكلة». وفي المختار: «بالكلكلة». وجاء في مقال للأستاذ بهجت الأثري عضو المجمع اللغوي عنوانه «الألفاظ الحضارية ودلالتها التاريخية»؛ الكنكلة: آلة طرب هندية ذات وتر واحد يمر على قرعة فيقوم مقام أوتار العود «عن كتاب فخر السودان على البيضان للجاحظ»، أو لعلها نغمة من نغمات الموسيقى أو آلة من آلات الطرب عرفها العباسيون واستعملوها في أواخر القرن الثاني. وانظر «نهاية الأرب» للنويري ٥: ٢٢.
(٢) سرف والمنحنى والعقيق والجرف: مواضع. وفي ب: «من بعد حلة».
(٣) ب: «بشخير».