أخبار سلم الخاسر ونسبه
  قالوا حرام تلاقينا فقلت لهم ... ما في التّلاقي ولا في غيره حرج
  من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطيّبات الفاتك اللهج(١)
  قال: فقال سلم الخاسر أبياتا، ثم أخذ معنى هذا البيت، فسلخه، وجعله في قوله:
  من راقب الناس مات غمّا ... وفاز باللذة الجسور
  سبب غضب بشار عليه ثم رضاه عنه
  فبلغ بيته بشارا، فغضب واستشاط، وحلف ألا يدخل إليه، ولا يفيده ولا ينفعه ما دام حيّا. فاستشفع إليه بكلّ صديق له، وكلّ من يثقل عليه ردّه، فكلَّموه فيه، فقال: أدخلوه إليّ، فأدخلوه إليه فاستدناه، ثم قال: إيه يا سلم، من الَّذي يقول:
  من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطيّبات الفاتك اللهج
  قال: أنت يا أبا معاذ، قد جعلني اللَّه فداءك! قال: فمن الَّذي يقول:
  من راقب الناس مات غمّا ... وفاز باللذة الجسور؟
  قال: تلميذك، وخرّيجك، وعبدك يا أبا معاذ، فاجتذبه إليه، وقنّعه(٢) بمخصرة(٣) كانت في يده ثلاثا، وهو يقول: لا أعود يا أبا معاذ إلى ما تنكره، ولا آتي شيئا تذمّه، إنما أنا عبدك، وتلميذك، وصنيعتك، وهو يقول له:
  يا فاسق! أتجيء إلى معنى قد سهرت له عيني، وتعب فيه فكري وسبقت الناس إليه، فتسرقه، ثم تختصره لفظا تقرّبه به، لتزري عليّ، وتذهب بيتي؟ وهو يحلف له ألا يعود، والجماعة يسألونه. فبعد لأي وجهد ما(٤) شفّعهم فيه، وكفّ عن ضربه، ثم رجع له، ورضي عنه.
  أخبرني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمار(٥)، قال: أخبرني يعقوب بن إسرائيل مولى المنصور، قال: حدّثني عبد الوهاب بن مرّار، قال: حدّثني أبو معاذ النّميريّ راوية بشار، قال:
  قد كان بشار قال قصيدة فيها هذا البيت:
  من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطيّبات الفاتك اللهج
  / قال: فقلت له يا أبا معاذ! قد قال سلم الخاسر بيتا، هو أحسن وأخفّ على الألسن من بيتك هذا، قال:
  وما هو؟ فقلت:
  من راقب الناس مات غمّا ... وفاز باللذة الجسور
  فقال بشار: ذهب واللَّه بيتنا، أما واللَّه لوددت أنه ينتمي في غير ولاء أبي بكر ¥ وأني مغرم(٦)
(١) اللهج بالشيء: المولع به.
(٢) قنعه بالعصا ونحوها: غشاه بها.
(٣) المخصرة: أداة كالسوط.
(٤) ما شفعهم: «ما» زائدة.
(٥) ف: «محمد بن عبد اللَّه بن عمار».
(٦) مغرم: ملزم.