أخبار أمية بن الأسكر ونسبه
  عمر يسأل كلابا عن مبلغ بره بأبيه فيصفه له
  : قال: فبكى عمر بكاء شديدا، وكتب بردّ كلاب إلى المدينة، فلما قدم دخل إليه، فقال: ما بلغ من برّك / بأبيك؟ قال: كنت أوثره(١) وأكفيه أمره، وكنت أعتمد إذا أردت أن أحلب له لبنا أغزر ناقة في إبله وأسمنها فأريحها(٢) وأتركها حتى تستقرّ، ثم أغسل أخلافها حتى تبرد ثم أحتلب له(٢) فأسقيه.
  عمر يرد كلابا عليه ويأمره أن يلزم أبويه
  : فبعث / عمر إلى أميّة من جاء به إليه، فأدخله يتهادى وقد ضعف بصره وانحنى. فقال له: كيف أنت يا أبا كلاب؟ قال: كما تراني يا أمير المؤمنين. قال: فهل لك من حاجة؟ قال: نعم، أشتهي أن أرى كلابا فأشمّه شمة، وأضمّه ضمّة قبل أن أموت. فبكى عمر، ثم قال: ستبلغ من هذا ما تحبّ إن شاء اللَّه تعالى. ثم أمر كلابا أن يحتلب لأبيه ناقة كما كان يفعل، ويبعث إليه. بلبنها، ففعل فناوله عمر الإناء، وقال: دونك هذا يا أبا كلاب(٣).
  فلما أخذه وأدناه إلى فمه قال: لعمر: واللَّه يا أمير المؤمنين، إني لأشمّ رائحة يدي كلاب من هذا الإناء، فبكى عمر، وقال: هذا كلاب عندك حاضرا قد جئناك به، فوثب إلى ابنه وضمّه إليه وقبّله، وجعل عمر يبكي ومن حضره، وقال لكلاب: الزم أبويك فجاهد فيهما ما بقيا، ثم شأنك بنفسك بعدهما، وأمر له بعطائه، وصرفه مع أبيه، فلم يزل معه مقيما حتى مات أبوه.
  يخرجه قومه لأن إبله أصيبت بالهيام
  : ونسخت من كتاب أبي سعيد السكريّ أن أمية كانت له إبل هائمة - أي أصابها الهيام وهو داء يصيب الإبل من العطش - فأخرجته بنو بكر مخافة أن يصيب إبلهم، فقال لهم: يا بني بكر، إنما هي ثلاث ليال: ليلة بالبقعاء(٤) وليلة بالفرع(٥)، وليلة بلقف(٦) في سامر من بني بكر، فلم ينفعه ذلك وأخرجوه، فأتى مزينة فأجاروه، وأقام عندهم إلى أن صحّت أبله، وسكنت، فقال يمدح مزينة:
  تكنّفها الهيام وأخرجوها ... فما تأوى إلى إبل صحاح
  / فكان إلى مزينة منتهاها ... على ما كان فيها من جناح
  وما يكن الجناح فإنّ فيها ... خلائق ينتمين إلى صلاح
  ويوما في بني ليث بن بكر ... تراعى تحت قعقعة الرماح
  فإمّا أصبحن شيخا كبيرا ... وراء الدار يثقلني سلاحي
  فقد آتى الصريخ إذا دعاني ... على ذي منعة(٧) عتد(٨) وقاح
(١) في ب، س: «أدثره». وفي «المختار»: «كنت أبره».
(٢ - ٢) زيادة: من هد، ف.
(٣) في ب، س: «يا كلاب».
(٤) البقعاء: ماء لعبس، وقيل: مياه لبني السليط، تلقاء نجد على ٢٤ ميلا من المدينة.
(٥) الفرع: قرية من ناحية المدينة.
(٦) «لقف» موضع أيضا، وفي ب، س: «تلقف»، تحريف.
(٧) وفي ج. ف: «ميعة» وهي جري الفرس ونشاطه.
(٨) عتد أي شديد نام الخلق. والوقاح: ذو الصلابة وفي ب، س: «عند»، تحريف.