كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار حسان بن تبع

صفحة 484 - الجزء 22

  فإن تك حمير غدرت وخانت ... فمعذرة الإله لذي رعين

  قتله أخوه فامتنع منه النوم

  ثم إن عمرا أتى حسّان أخاه وهو نائم على فراشه، فقتله، واستولى على ملكه. فلم يبارك فيه، وسلَّط اللَّه عليه السهر، وامتنع منه النوم، فسأل الأطباء والكهّان والعيّاف، فقال له كاهن منهم: إنه ما قتل أخاه رجل قطَّ إلا منع نومه، فقال عمرو: هؤلاء رؤساء حمير حملوني على قتله ليرجعوا إلى بلادهم، ولم ينظروا إليّ ولا لأخي.

  فجعل يقتل من أشار عليه منهم بقتله، فقتلهم رجلا رجلا، حتى خلص إلى ذي رعين وأيقن بالشرّ، فقال له ذو رعين: ألم تعلم أني أعلمتك ما في قتله، ونهيتك وبيّنت هذا؟ قال: وفيم هو؟ قال: في الكتاب الذي استودعتك.

  فدعا بالكتاب، فلم يجده، فقال ذو رعين: ذهب دمي على أخذي بالحزم، فصرت كمن أشار بالخطأ، ثم سأل الملك أن ينعم في طلبه، ففعل، فأتى به فقرأه، فإذا فيه البيتان، فلما قرأهما قال: لقد أخذت بالحزم، قال:

  إني خشيت ما رأيتك صنعت بأصحابي.

  ذو شناتر وذو نواس

  قال: وتشتّت أمر حمير حين قتل أشرافها، واختلفت عليه، حتى وثب على عمرو لخيعة ينوف⁣(⁣١)، ولم يكن من أهل بيت المملكة، فقتله، واستولى على ملكه، وكان يقال له ذو شناتر⁣(⁣٢) الحميريّ، وكان فاسقا يعمل عمل قوم لوط، وكان يبعث إلى أولاد الملوك فيلوط بهم، وكانت حمير إذا ليط بالغلام لم تملَّكه، ولم ترتفع به، وكانت له مشربة⁣(⁣٣)، يكون فيها يشرف على حرسه، فإذا أتي بالغلام أخرج رأسه إليهم وفي فيه السواك، فيقطعون مشافر ناقة المنكوح وذنبها، فإذا خرج صيح به: أرطب أم يباس⁣(⁣٤)؟ فمكث بذلك زمانا.

  حتى نشأ زرعة ذو نواس، وكانت له ذؤابة، وبها سمى ذا نواس - وهو الذي تهوّد، وتسمى يوسف، وهو صاحب الأخدود بنجران، وكانوا نصارى، فخوّفهم، وحرق الإنجيل، وهدّم / الكنائس، ومن أجله غزت الحبشة اليمن، لأنهم نصارى، فلما غلبوا على اليمن اعترض البحر، واقتحمه على فرس فغرق - فلما نشأ ذو نواس قيل له: كأنك وقد فعل بك كذا وكذا، فأخذ سكَّينا لطيفا خفيفا وسمّه، وجعل له غلافا، فلما دعا به لخيعة جعله بين أخمصه ونعله، وأتاه على ناقة له يقال لها: سراب، فأناخها، وصعد إليه، فلما قام يجامعه كما كان يفعل انحنى زرعة، فأخذ السكين فوجأ بها بطنه، فقتله، وأحتزّ رأسه، فجعل السواك في فيه، وأطلعه من الكوّة، فرفع الحرس رؤوسهم، فرأوه، / ونزل زرعة، فصاحوا: زرعة يا ذا نواس، أرطب أم يباس؟

  فقال: ستعلم الأحراس، است ذي نواس، رطب أم يباس؟ وجاء إلى ناقته، فركبها، فلما رأى الحرس اطَّلاع الرأس صعدوا إليه، فإذا هو قد قتل. فأتوا زرعة، فقالوا: ما ينبغي أن يملكنا غيرك بعد أن أرحتنا من هذا الفاسق، واجتمعت حمير إليه، ثم كان من قصّته ما ذكرناه آنفا.


(١) كذا في اللسان والجمهرة وهو مأخوذ من اللخع، وهو استرخاه اللحم وينوف من نلف الشيء إذا طال وارتفع.

(٢) شناتر: أصابع بلغة حمير.

(٣) مشربة: غرفة مرتفعة.

(٤) يباس: يابس أو يبيس.