كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار ابن البواب

صفحة 36 - الجزء 23

  فقال الأخفش مثل هذا البيت الأخير قول الشاعر:

  واستودعت نشرها الديار⁣(⁣١) فما ... تزداد طيبا إلا على القدم

  يخشى العين على ساقيه:

  أخبرني الحسن بن يحيى عن حماد بن إسحاق: قال:

  رأيت محمد بن عبد اللَّه البواب وقد جاء إلى أبي مسلَّما فاحتبسه، ورأيته وهو شيخ كبير، وكان ضخما طويلا عظيم الساقين كأنهما دنّان، وكان يشدّ في ساقيه خرزا أسود لئلا تصيبهما العين.

  يملق فيغنيه أبو دلف:

  وقال محمد بن القاسم: أملق عبد اللَّه بن محمد البواب حين جفاه الخليفة، وعلت سنّه عن⁣(⁣٢) الخدمة، فرحل إلى أبي دلف القاسم بن عيسى، ومدحه بقصيدة، فوهب له ثلاثين ألف درهم، وعاد بها إلى بغداد، فما نفدت حتى مات وهي قوله:

  طرقتك صائدة القلوب رباب ... ونأت فليس لها إليك مآب

  وتصرّمت منها العهود وغلَّقت ... من دون نيل طلابها الأبواب

  / فلأصدفنّ عن الهوى وطلابه ... فالحبّ فيه بليّة وعذاب

  وأخصّ بالمدح المهذّب سيّدا ... نفحاته للمجتدين رغاب⁣(⁣٣)

  وإلى أبي دلف رحلت مطيّتي ... قد شفّها الإرقال والإتعاب⁣(⁣٤)

  تعلو بنا قلل الجبال ودونها ... مما هوت أهويّة وشعاب⁣(⁣٥)

  فإذا حللت لدى الأمير بأرضه ... نلت المنى وتقضّت الآراب

  ملك تأثّل عن أبيه وجدّه ... مجدا يقصّر دونه الطَّلاب

  / وإذا وزنت قديم ذي حسب به ... خضعت لفضل قديمه الأحساب

  قوم علوا أملاك كلّ قبيلة ... فالناس كلَّهم لهم أذناب⁣(⁣٦)

  ضربت عليه المكرمات قبابها ... فعلا العمود وطالت الأطناب

  عقم النساء بمثله وتعطَّلت ... من أن تضمّن مثله الأصلاب


(١) في ف: «الرياض» بدل «الديار».

(٢) في س، ب: «من»، بدل «عن».

(٣) رغاب: جمع رغيبة، بمعنى واسعة.

(٤) الإرقال: الإسراع.

(٥) أهوية: هوة.

(٦) كذا في ف، وفي س، ب: له بدل «لهم».