ذكر نسب القطامي وأخباره
  فقتل(١) منهم جماعة كثيرة، وقتل معهم رجلان من تغلب، يقال لأحدهما: جسّاس، والآخر غنيّ، وهو أبو جسّاس. وقد قالت له امرأته: يا أبا جسّاس، هؤلاء قومك فأتهم حين اجتمعوا وامتنعوا، فقال: اليوم نزاريّ وأمس كلبيّ! ما أنا بمفارقهم، فقاتل حتّى قتل، فكانت القتلى يوم المصيّخ(٢) من كلب ثمانية عشر رجلا والتّغلبيّين، وبقي الماء ليس فيه إلا النّساء. فلمّا انصرف عنهم زفر أراد النساء أن يجررن القتلى إلى بئر يقال لها: كوكب. فلما أردن أن يجررن رجلا قالت وليّته من النّساء: لا يكون فلان تحت رجالكنّ كلَّهم، فأتت أمّ عمير بن حسّان، وهي كيّسة(٣) / بنت أبيّ، فأعلقت في رجله رداءها، ثم قالت: اجسر عمير فإنّ(٤) أباك كان جسورا، ثم ألقت عليه التّراب والحطب ليكون بينه وبين أصحابه شيء. ثم جعلن كلما ألقين رجلا ألقين عليه التّراب والحطب حتى وارتهم القليب. ولمّا بلغ حميد بن حريث بن بحدل ما لقي قومه أقبل حتى أتى تدمر(٥) ليجمع أصحابه، وليغير على قيس. فلما وقعت الدّماء نهض بنو نمير، وهم يومئذ ببطن الجبل، وهو على مياه لهم(٦)، إلى حميد بن حريث بن بحدل، حتى(٧) قدم وراءه يتهيّأ للغارة، واجتمعت إليه كلب، وقالوا له: إن كنت تبرئنا ببراءتنا، وتعرف جوارنا أقمنا، وإن كنت تتخوّف علينا من قومك شيئا لحقنا بقومنا، فقال: أتريدون أن تكونوا أدلَّاءهم حتى تنجلي هذه الفتنة؟ فاحتبسهم فيها، وخليفته في تدمر رجل من كلب يقال له: مطر بن عوص، وكان / فاتكا، فأراد حميدا على قتلهم، فأبى وكره الدّماء، فلمّا سار حميد، وقد عاد زفر أيضا مغيرا، ليردّه عمّا يريده، فنزل قرية له، وبلغه مسير زفر فاغتاظ وأخذ في التّعبئة، فأتاه مطر وكان خرج معه مشيّعا له انتهازا لدماء الَّذين في يده من النّميريّين، فقال: ما أصنع بهؤلاء الأسارى الَّذين في يدي وقد قتل أهل مصبح؟ فقال وهو لا يعقل من الوجد: اذهب فاقتلهم. فخرج مطر يركض إلى تدمر، تخوّف ألَّا يبدوا له(٨)، فلمّا أتى تدمر قتلهم(٩)، وانتبه حميد بعد ذلك بساعة فقال: أين مطر حتى أوصيه؟ قالوا: انصرف، قال(١٠): أدركوا عدوّ اللَّه، فإنّي أخاف على من بيده من النّميريّين.
  وبعث فارسا يركض يمنع مطرا عن قتلهم، فأتاه وقد قتل كلّ من كان في يده / من الأسرى إلَّا رجلين - وكانوا ستّين رجلا - فلما بلَّغه الرّسول رسالة حميد قال النّميريّان الباقيان: خلّ عنا فقد أمرت بتخلية سبيلنا، فقال: أبعد أهل المصيّخ! لا واللَّه لا تخبّران عنهم، ثم قتلهما. فلمّا بلغ زفر قتل النّميريّين بسط يده(١١) على كلّ من أدرك من كلب، واستحلّ الدّماء، وأخذ في واد يقال له وادي الجيوش، وقد انتشرت به كلب للصّيد، فلم يدرك به أحدا إلَّا قتله، فقتل أكثر من خمسمائة، ولم يلقه حميد. ثم انصرف إلى قرقيسياء.
(١) س: «فقتلت».
(٢) «يوم المصيح»: من نسخة ج.
(٣) ج: ونيسة.
(٤) س: إن.
(٥) «معجم البلدان» (تدمر): «مدينة قديمة مشهورة في برية الشام».
(٦) ج، س: «تميم».
(٧) ج: «حين».
(٨) «بيروت»: تخوفا لا يبدو له.
(٩) ج: «فقتلهم».
(١٠) لم تذكر في ج.
(١١) «يده»: لم تذكر في ج.