كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب الراعي وأخباره

صفحة 324 - الجزء 24

  حمدن مزاره ولقين منه ... عطاء لم يكن عدة ضمارا

  يقضي للفرزدق على جرير

  أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال: حدثنا الحسن⁣(⁣١) بن الحسين السكَّريّ عن الرّياشيّ / عن الأصمعيّ، قال:

  وذكره المغيرة بن حجناء قال: حدّثني أبي عن أبيه قال:

  كان راعي الإبل يقضي للفرزدق على جرير ويفضّله، وكان راعي الإبل قد ضخم أمره، وكان من أشعر النّاس، فلما أكثر من ذلك خرج جرير إلى رجال من قومه فقال: ألا تعجبون لهذا الرّجل الذي يقضي للفرزدق عليّ ويفضّله⁣(⁣٢) وهو يهجو قومه وأنا أمدحهم؟ قال جرير:

  جرير يحاول مصالحته ولكن جندلا يسيء إليه

  ثم ضربت رأيي فيه، فخرجت ذات يوم أمشي إليه. قال: ولم يركب جرير دابّته، وقال: واللَّه ما يسرّني أن يعلم أحد بسيري إليه. قال: وكان لراعي الإبل وللفرزدق وجلسائهما حلقة بأعلى المربد بالبصرة يجلسون فيها.

  قال: فخرجت أتعرّض لها لألقاه من حيال⁣(⁣٣) حيث كنت أراه.

  / ثمّ إذا انصرف من مجلسه لقيته، وما يسرني أن يعلم أحد، حتى إذا هو قد مرّ على بغلة له، وابنه⁣(⁣٤) جندل يسير وراءه راكبا مهرا له أحوى محذوف الذّنب وإنسان يمشي معه ويسأله عن بعض السّبب، فلما استقبلته قلت له:

  مرحبا بك يا أبا جندل. وضربت بشمالي إلى معرفة⁣(⁣٥) بغلته، ثم قلت: يا أبا جندل، إنّ قولك يستمع، وإنك تفضّل عليّ الفرزدق تفضيلا قبيحا، وأنا أمدح قومك وهو يهجوهم، وهو ابن عمّي، وليس منك، ولا عليك كلفة في أمري معه، وقد يكفيك من ذلك هيّن، وأن تقول إذا ذكرنا: كلاهما شاعر كريم، فلا تحمل منه لائمة ولا منّي، قال: فبينا أنا وهو كذلك، وهو واقف عليّ لا يردّ جوابا لقولي، إذ لحق بالرّاعي ابنه جندل، فرفع كرمانيّة معه، فضرب⁣(⁣٦) بها عجز بغلته، ثم قال: أراك واقفا على كلب بني⁣(⁣٧) كليب، كأنّك تخشى منه شرّا أو ترجو منه خيرا، فضرب⁣(⁣٨) البغلة ضربة شديدة، فزحمتني زحمة وقعت منها قلنسوتي. فو اللَّه لو يعوج عليّ الرّاعي لقلت: سفيه غوىّ - يعني جندلا ابنه - ولكنه لا واللَّه ما عاج عليّ، فأخذت قلنسوتي فمسحتها وأعدتها على رأسي وقلت:

  أجندل ما تقول بنو نمير ... إذا ما الأير في است أبيك غابا؟

  قال: فسمعت الرّاعي يقول لابنه: أما واللَّه لقد طرحت قلنسوته طرحة مشئومة، قال جرير: ولا واللَّه ما كانت القلنسوة بأغيظ أمره إليّ لو كان عاج عليّ.


(١) ب، س: «يحيى بن الحسين».

(٢) «ويفضله» تكملة من ف و «المختار».

(٣) من حيال: من قبالته.

(٤) ب، س: «فواثبه جندل يسير وراءه».

(٥) المعرفة: موضع شعر العنق.

(٦) «التجريد»: «فضرب عجز بغلة أبيه».

(٧) خد: «أراك واقفا على كلب من كليب».

(٨) «التجريد»: «ولما ضرب البغلة زحمت جريرا فسقطت عن رأسه قلنسيته».