ذكر الخبر عن غزاة بدر
  اتهام قريش لبني هاشم:
  ومضى القوم، وقد كان بين طالب بن أبي طالب - وكان في القوم - وبين بعض قريش محاورة؛ فقالوا: واللَّه لقد عرفنا يا بني هاشم - وإن خرجتم معنا - أنّ هواكم / [لمع](١) محمد؛ فرجع طالب إلى مكة فيمن رجع. وأمّا ابن الكلبيّ فإنه قال فيما حدّثت عنه: شخص طالب بن أبي طالب إلى بدر مع المشركين، أخرج كرها، فلم يوجد في الأسرى ولا في القتلى ولم يرجع إلى أهله، وكان شاعرا، وهو الذي يقول:
  /
  يا ربّ إمّا يغزونّ طالب ... في مقنب(٢) من هذه المقانب
  فليكن المسلوب غير السالب ... وليكن المغلوب غير الغالب
  رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق
  نزول قريش بالعدوة القصوى من الوادي:
  قال: ومضت قريش حتّى نزلوا بالعدوة القصوى من الوادي خلف العقنقل. وبطن الوادي، وهو يليل(٣)، بين بدر وبين العقنقل: الكثيب الذي خلفه قريش. والقليب ببدر من العدوة الدّنيا من بطن يليل إلى المدينة. وبعث اللَّه ø السماء، وكان الوادي دهسا(٤)، فأصاب رسول اللَّه ﷺ [وأصحابه منها](١) ما لبّد لهم الأرض ولم يمنعهم المسير، وأصاب قريشا منها ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه. فخرج رسول اللَّه ﷺ يبادرهم إلى الماء حتّى حاذى ماء من مياه بدر فنزل به.
  أشار الحباب بن المنذر على النبيّ برأي فاتبعه:
  قال ابن إسحاق: فحدّثني عشرة(٥) رجال من بني سلمة ذكروا أنّ الحباب بن المنذر بن الجموح قال:
  يا رسول اللَّه، أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزلكه اللَّه ليس لنا / أن نتقدّمه ولا نتأخّر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: «بل هو الرأي والحرب والمكيدة». فقال: يا رسول اللَّه، إنّ هذا ليس لك بمنزل، فانهض بالناس حتّى تأتي أدنى ماء من مياه القوم فتنزله، ثم تعوّر(٦) ما سواه من القلب ثم تبني عليه حوضا فتملأه ماء، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربوا. فقال رسول اللَّه ﷺ: «لقد أشرت بالرأي». فنهض رسول اللَّه ﷺ ومن معه من الناس حتّى أتى أدنى ماء من القوم فنزل عليه، ثم أمر بالقلب فعوّرت(٧) وبنوا حوضا على القليب الذي نزل عليه فملئ، ماء ثم قذفوا فيه الآنية.
(١) الزيادة عن «السيرة لابن هشام» (ج ١ ص ٤٣٨ طبع أوروبا).
(٢) المقنب: جماعة الخيل والفرسان، وقيل: هي دون المائة.
(٣) يليل (بتكرير الياء المفتوحة): اسم واد يدفع في بدر. وفي «معجم ما استعجم» (في الكلام على رضوى): «ووادي ينبع يليل يصب في غيقة». وفي الأصول: «تليل» بالتاء المثناة من فوق في أوّله، وهو تصحيف.
(٤) الدهس: هو كل لين سهل لا يبلغ أن يكون رملا وليس بتراب ولا طين كالدّهاس، وقيل أيضا: الأرض السهلة يثقل فيها المشي.
(٥) في «السيرة»: «قال ابن إسحاق: فحدّثت عن رجال من بني سلمة أنهم ذكروا إلخ».
(٦) كذا في الطبري و «السيرة». وعوّر العين أو القليب: طمّه وردمه. وفي الأصول: «تغوّر» بالغين المعجمة، وهو تصحيف.
(٧) كذا في «السيرة» والطبري. وفي الأصول: «فغوّرت» بالغين المعجمة.