ذكر الخبر عن غزاة بدر
  بناء عريش من جريد للنبيّ:
  قال محمد بن إسحاق: فحدّثني محمد بن أبي بكر أنّ سعد بن معاذ قال: يا رسول اللَّه، نبني لك عريشا من جريد فتكون فيه ونعدّ عندك ركائبك، ثم نلقى عدوّنا؛ فإن نحن أعزّنا اللَّه وأظهرنا على عدوّنا كان ذلك(١) ما أحببنا، وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا؛ فقد تخلَّف عنك أقوام يا نبيّ اللَّه ما نحن بأشدّ حبّا لك منهم، [ولو ظنّوا(٢) أنّك تلقى حربا ما تخلَّفوا عنك، يمنعك اللَّه بهم، يناصحونك ويجاهدون معك].
  فأثنى [عليه](٣) رسول اللَّه ﷺ خيرا، ودعا له بخير. ثم بني لرسول اللَّه ﷺ عريش فكان فيه.
  إقبال قريش دعاء النبيّ عليها:
  وقد ارتحلت قريش حين أصبحت وأقبلت. فلمّا رآها رسول اللَّه ﷺ تصوّب(٤) من العقنقل - وهو الكثيب الذي منه جاؤوا - إلى الوادي قال: «اللَّهمّ هذى قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادّك وتكذّب رسولك. اللَّهمّ فنصرك الذي وعدتني. اللَّهمّ فأحنهم(٥) / الغداة». وقد قال رسول اللَّه ﷺ ورأى عتبة بن ربيعة في القوم على جمل له أحمر: «إن يكن عند أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر إن يطيعوه يرشدوا».
  عرض خفاف بن إيماء معونته على قريش:
  وقد كان خفاف [بن إيماء](٦) بن رحضة الغفاريّ، أو أبوه(٧) أيما بن رحضة، بعث إلى قريش حين مرّوا به ابنا له بجزائر أهداها لهم وقال لهم: إن أحببتم أن نمدّكم(٨) بسلاح ورجال فعلنا. فأرسلوا [إليه](٦) مع ابنه: أن وصلتك رحم! فقد قضيت الذي عليك. فلعمري لئن كنّا إنّما نقاتل الناس فما بنا ضعف [عنهم](٦)، ولئن كنّا نقاتل اللَّه كما يزعم محمد فما لأحد باللَّه من طاقة. فلمّا نزل الناس أقبل نفر من قريش حتّى وردوا الحوض حوض رسول اللَّه ﷺ. / فقال رسول اللَّه ﷺ: «دعوهم». فما شرب منهم رجل إلَّا قتل يومئذ، إلَّا ما كان من حكيم بن حزام فإنّه لم يقتل، نجا على فرس له يقال له الوجيه، وأسلم بعد ذلك فحسن إسلامه؛ فكان إذا اجتهد [في](٦) يمينه قال: والذي نجّاني من يوم بدر.
  بعثت قريش عمير بن وهب متجسسا فأخبرهم بما روّعهم:
  قال محمد بن إسحاق: وحدّثني أبي إسحاق بن يسار وغيره من أهل العلم عن أشياخ من الأنصار قالوا:
  لمّا اطمأنّ القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحيّ فقالوا: احزر(٩) لنا أصحاب محمد؛ فاستجال بفرسه حول
(١) كذا في «السيرة». وفي الأصول: «ذلك مما».
(٢) زيادة عن «السيرة» و «تاريخ الطبري».
(٣) الزيادة عن «السيرة» (ج ١ ص ٤٤٠ طبع أوروبا).
(٤) التصوّب: الانحدار من علو.
(٥) الحين (بالفتح): الهلاك. وحان الرجل: هلك. وأحانه اللَّه: أهلكه.
(٦) الزيادة عن «السيرة» و «تاريخ الطبري».
(٧) في الأصول: «أخوه»، والتصويب عن «السيرة» و «تاريخ الطبري». وإيماء بكسر الهمزة مع المدّ أو بفتحها مع القصر. ورحضة بالتحريك أو بالفتح، أو بالضم، أقوال فيه. (انظر «شرح القاموس» مادة رحض).
(٨) كذا في «السيرة». وفي الأصول والطبري: «أمدّكم».
(٩) الحزر: التخمين والتقدير.