ذكر الخبر عن غزاة بدر
  إليه والنّاس قيام عليه. فقال يا بن أخي أخبرني كيف كان أمر الناس؟ قال: لا شيء واللَّه، إن كان إلَّا أن لقيناهم فأبحناهم أكتافنا يقتلون ويأسرون كيف شاؤوا. وأيم اللَّه مع ذلك ما لمت الناس، لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض ما تليق(١) شيئا ولا يقوم لها شيء. قال أبو رافع: فرفعت طنب الحجرة بيدي، ثم قلت: تلك واللَّه الملائكة! فرفع أبو لهب / يده فضرب وجهي ضربة شديدة. قال: فساورته فاحتملني فضرب بي الأرض، ثم برك عليّ يضربني، وكنت رجلا ضعيفا؛ فقامت أمّ الفضل إلى عمود من عمد الحجرة فأخذته فضربته به ضربة، فشجّت في رأسه / شجّة منكرة وقالت: أتستضعفه أن غاب عنه سيّده! فقام مولَّيا ذليلا. فو اللَّه ما عاش فيها إلَّا سبع ليال حتى رماه اللَّه ﷻ بالعدسة(٢) فقتلته؛ فلقد تركه ابناه ليلتين أو ثلاثا لا يدفنانه حتّى أنتن في بيته - وكانت قريش تتّقي العدسة كما يتّقى الطاعون - حتى قال لهما رجل من قريش ويحكما! لا تستحييان أنّ أباكما قد أنتن في بيته لا تغيّبانه! فقالا: نخشى هذه القرحة. قال: فانطلقا فأنا معكما. فما غسّلوه إلَّا قذفا بالماء عليه من بعيد ما يمسّونه؛ فاحتملوه فدفنوه بأعلى مكة على جدار، وقذفوا عليه الحجارة حتّى واروه.
  العباس بن عبد المطلب وتألم النبي لأسره:
  قال محمد بن إسحاق وحدّثني العبّاس بن عبد اللَّه بن معبد عن بعض أهله عن الحكم بن عتيبة عن ابن عبّاس قال:
  لمّا أمسى القوم من يوم بدر، والأسارى محبوسون في الوثاق، بات رسول اللَّه ﷺ ساهرا أوّل ليلته. فقال له أصحابه: يا رسول اللَّه، ما لك لا تنام؟ فقال: «سمعت تضوّر العبّاس في وثاقه»؛ فقاموا إلى العبّاس فأطلقوه؛ فنام رسول اللَّه ﷺ.
  قال ابن إسحاق وحدّثني الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن ابن عبّاس قال:
  كان الذي أسر العبّاس أبو اليسر كعب بن عمرو أخو بني سلمة، وكان رجلا مجموعا، وكان العبّاس رجلا جسيما. فقال رسول اللَّه ﷺ لأبي اليسر: / «كيف أسرت العبّاس يا أبا اليسر»؟ فقال: يا رسول اللَّه، أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده، هيئته كذا وكذا. فقال رسول اللَّه ﷺ: «لقد أعانك عليه ملك كريم».
  طلب منه النبي الفداء وأخبره عن أمواله بمكة:
  قال ابن إسحاق عن الكلبيّ(٣) عن أبي صالح عن ابن عبّاس:
  أنّ رسول اللَّه ﷺ قال للعبّاس بن عبد المطلب حين انتهي به إلى المدينة: «يا عبّاس افد نفسك، وابن أخيك عقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث، وحليفك عتبة بن عمرو بن جحدم أخا بني الحارث بن فهر؛ فإنك ذو مال». فقال: يا رسول اللَّه، إنّي كنت مسلما ولكنّ القوم استكرهوني. فقال: «اللَّه أعلم بإسلامك، إن يكن ما
(١) ما تليق شيئا: ما تبقى على شيء؛ يقال: هذا سيف لا يليق شيئا أي لا يمرّ بشيء إلا قطعه. وفي ب، ح: «ما تلين»؛ وهو تحريف.
(٢) العدسة: بثرة قاتلة تخرج بالبدر.
(٣) كذا في أكثر الأصول والطبري. وفي س: «عن ابن الكلبي»، والذي يروي عنه ابن إسحاق، كما في «الأنساب» للسمعاني، هو محمد بن السائب الكلبي، ومحمد هذا يسميه الرواة كثيرا «الكلبي». وفي بعض الأحيان «ابن الكلبي». وأما هشام ابنه فيعرف بالكلبي قولا واحدا، ولم نعرف أن ابن إسحاق روى عنه.