ذكر الدلال وقصته
  والصوت الثاني الذي أوّله:
  كلَّما أبصرت وجها ... حسنا قلت خليلي
  / الغناء فيه لعطرّد خفيف ثقيل بالوسطى عن حبش، ويقال إنّه للدّلال. وفيه ليونس خفيف رمل. وفيه لإبراهيم الموصليّ خفيف ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو.
  شرب النبيذ وكان لا يشربه فسكر حتى خلع ثيابه:
  أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه عن مصعب بن عبد اللَّه الزّبيريّ قال:
  كان الدّلال لا يشرب النبيذ، فخرج مع قوم إلى متنزّه لهم ومعهم نبيذ، فشربوا ولم يشرب منه، وسقوه عسلا مجدوحا(١)، وكان كلَّما تغافل صيّروا في شرابه النبيذ فلا ينكره، وكثر ذلك حتّى سكر وطرب، وقال: اسقوني من شرابكم، فسقوه حتى ثمل، وغنّاهم في شعر الأحوص:
  طاف الخيال وطاف الهمّ فاعتكرا ... عند الفراش فبات الهمّ محتضرا(٢)
  أراقب النّجم كالحيران مرتقبا ... وقلَّص النوم عن عينيّ فانشمرا
  / من لوعة أورثت قرحا على كبدي ... يوما فأصبح منها القلب منفطرا
  ومن يبت مضمرا همّا كما ضمنت ... منّي الضّلوع يبت مستبطنا غيرا
  فاستحسنه القوم وطربوا وشربوا. ثم غنّاهم:
  طربت وهاجك من تدّكر ... ومن لست من حبّه تعتذر
  فإن نلت منها الذي أرتجي ... فذاك لعمري الذي أنتظر
  وإلَّا صبرت فلا مفحشا ... عليها بسوء ولا مبتهر(٣)
  - لحن الدلال في هذا الشعر خفيف ثقيل أوّل بالبنصر عن حبش. قال: وذكر قوم أنّه للغريض -.
  / قال: وسكر حتّى خلع ثيابه ونام عريانا، فغطَّاه القوم بثيابهم وحملوه إلى منزله ليلا فنوّموه وانصرفوا عنه.
  فأصبح وقد تقيّأ ولوّث ثيابه بقيئه، فأنكر نفسه، وحلف ألَّا يغنّي أبدا ولا يعاشر من يشرب النبيذ؛ فوفى بذلك إلى أن مات. وكان يجالس المشيخة والأشراف فيفيض معهم في أخبار الناس وأيّامهم حتى قضى نحبه.
  [انقضت(٤) أخبار الدلال].
(١) المجدوح: المخلوط.
(٢) فيء، ط:
طاف الخيال وطال الليل فاعتكرا ... عند الفراش فآب الهم محتضرا
واعتكر الليل: اشتدّ سواده. واعتكر أيضا: اختلط. ومحتضرا: حاضرا؛ يقال: حضر الهمّ واحتضر.
(٣) الابتهار: قول الكذب والحلف عليه. وفي جميع الأصول: «منتهر» بالنون.
(٤) زيادة عن م.