كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر طريح وأخباره ونسبه

صفحة 479 - الجزء 4

  /

  من ير العير لابن أروى على ظه ... ر المروري⁣(⁣١) حداتهنّ عجال

  وأمّا الشعر فنقله طريح من قول زهير:

  سعى بعدهم قوم لكي يدركوهم ... فلم يبلغوا⁣(⁣٢) ولم يلاموا⁣(⁣٣) ولم يألوا

  قال إسحاق: فعجبت واللَّه من علمه بالألحان والأشعار، وإذا اللحن يشبه لحن الدّلال، قال: وكذلك الشعر؛ فاغتممت أنّي لم أكن فهمت اللحن، وكان ذلك أشدّ عليّ من ذهاب أمر الشعر عليّ، وأنا واللَّه مع ذلك أغنّي الصوتين وأحفظ الشعرين. قال الحسين: ولحن الدّلال في شعر أبي زبيد هذا من خفيف الثقيل أيضا.

  صادف طريح أبا ورقاء في سفر فأنس به وذكر له قصته مع أعرابي عاشق:

  أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى إجازة قال حدّثني أبو الحسن البلاذريّ أحمد بن يحيى وأبو أيّوب المدينيّ، قال البلاذريّ وحدّثني الحرمازيّ، وقال أبو أيّوب⁣(⁣٣) وحدّثونا عن الحرمازيّ قال حدّثني أبو القعقاع سهل⁣(⁣٤) بن عبد الحميد عن أبي ورقاء الحنفيّ قال:

  / خرجت من الكوفة أريد بغداد، فلمّا صرت إلى أوّل خان نزلته، بسط غلماننا وهيّئوا غداءهم، ولم يجيء أحد بعد، إذ رمانا الباب برجل فاره البرذون⁣(⁣٥) حسن الهيئة، فصحت بالغلمان، فأخذوا دابّته فدفعها إليهم، ودعوت بالغداء، فبسط يده غير محتشم، وجعلت لا أكرمه بشيء إلا قبله. ثم جاء غلمانه بعد ساعة في ثقل⁣(⁣٦) سريّ وهيئة حسنة. فتناسبنا⁣(⁣٧) فإذا الرجل طريح بن إسماعيل الثّقفيّ. فلمّا ارتحلنا في قافلة غنّاء لا يدرك طرفاها. قال:

  فقال لي: ما حاجتنا إلى زحام الناس وليست بنا إليهم وحشة ولا علينا خوف! نتقدّمهم بيوم فيخلو لنا الطريق ونصادف الخانات فارغة ونودع أنفسنا إلى أن يوافوا. قلت: ذلك إليك. قال: فأصبحنا الغد فنزلنا الخان فتغدّينا وإلى جانبنا نهر ظليل؛ فقال: هل لك أن نستنقع⁣(⁣٨) فيه؟ فقلت له: شأنك. فلمّا سرا⁣(⁣٩) ثيابه إذا [ما] بين عصعصه إلى⁣(⁣١٠) عنقه ذاهب، وفي جنبيه أمثال الجرذان، فوقع في نفسي منه شيء⁣(⁣١١). فنظر إليّ ففطن وتبسّم، ثم قال: قد


(١) كذا في أكثر الأصول. والمروري على وزن فعلعل: جمع مروراة وهي الفلاة البعيدة المستوية. («معجم ما استعجم» ص ٥٢٠).

وفي ح «والشعر والشعراء» (ص ١٦٧): «المروي». والمروّي (بضم أوّله وفتح ثانيه بعده واو مشدّدة مفتوحة): موضع. («معجم ما استعجم» ص ٥٢٦).

(٢) في «ديوان زهير» (طبعة دار الكتب ص ١١٤): «فلم يفعلوا». وفي س: «فلم يفعلوا ولم يليموا». أي لم يأتوا ما يلامون عليه، أو لم يلاموا، حين لم يبلغوا منزلة هؤلاء القوم لأنها أعلى من أن تبلغ؛ فهم معذورون في التقصير عنها والتوقف دونها، وهم مع ذلك لم يألوا أي لم يقصروا في السعي بجميل الفعل.

(٣) كذا فيء، ط، م. وفي سائر الأصول: «وقال أبو أيوب وحدّثني الحرمازي ... إلخ».

(٤) فيء، ط: «سهيل بن عبد الحميد».

(٥) البرذون الفاره: النشيط السريع السير.

(٦) الثقل: متاع المسافر وحشمه.

(٧) تناسبنا: ذكر كل منا نسبه.

(٨) كذا فيء، ط. وفي سائر النسخ: «تستنقع» بالتاء في أوّله.

(٩) سرا ثيابه سروا: ألقاها عنه مثل سرى سريا وأسرى، والواو أغلى. (انظر «اللسان» مادة سرا).

(١٠) فيء، ط، م: «كرده». والكرد (بالفتح). العنق، وقيل أصله.

(١١) فيء: ط، م: «شر».