كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر أخبار أبي سعيد مولى فائد ونسبه

صفحة 486 - الجزء 4

  لقد طفت سبعا قلت لمّا قضيتها ... ألا ليت هذا لا عليّ ولا ليا

  فقال: إي لعمر أبيك، وإني لأدمجه إدماجا من لؤلؤ. فردّ محمد بن عمران شهادته في ذلك المجلس. وقام أبو سعيد من مجلسه مغضبا وحلف ألَّا يشهد عنده أبدا. فأنكر أهل المدينة على ابن عمران ردّه شهادته، وقالوا:

  عرّضت حقوقنا للتّوى⁣(⁣١) وأموالنا للتلف؛ لأنا كنّا نشهد هذا الرجل لعلمنا بما كنت عليه والقضاة قبلك من الثقة به وتقديمه وتعديله. فندم ابن عمران بعد ذلك على ردّ شهادته، ووجّه إليه يسأله حضور⁣(⁣٢) مجلسه والشهادة عنده ليقضي بشهادته؛ فامتنع، وذكر أنه لا يقدر على / حضور مجلسه ليمين لزمته إن حضره حنث. قال: فكان ابن عمران بعد ذلك، إذا ادّعى أحد عنده شهادة أبي سعيد، صار إليه إلى منزله أو مكانه من المسجد حتّى يسمع منه ويسأله عما يشهد به فيخبره. وكان محمد بن عمران كثير اللَّحم، عظيم البطن. كبير العجيزة، صغير القدمين، دقيق الساقين، يشتدّ عليه المشي، فكان كثيرا ما يقول: لقد أتعبني هذا الصوت «لقد طفت سبعا» وأضرّ بي ضررا طويلا شديدا. وأنا رجل ثقال، بتردّدي إلى أبي سعيد لأسمع شهادته.

  ردّ المطلب بن حنطب شهادته فقال له شعرا فقلها:

  أخبرني عمّي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا النّضر بن عمرو عن الهيثم بن عديّ قال:

  كان المطَّلب بن عبد اللَّه بن حنطب قاضيا على مكة، فشهد عنده أبو سعيد مولى فائد بشهادة؛ فقال له المطَّلب: [ويحك!]⁣(⁣٣) ألست الدي يقول:

  لقد طفت سبعا قلت لمّا قضيتها ... ألا ليت هذا لا عليّ ولا ليا

  لا قبلت لك شهادة أبدا. فقال له أبو سعيد: أنا واللَّه الذي أقول:

  كأنّ وجوه الحنطبيّين⁣(⁣٤) في الدّجى ... قناديل تسقيها السّليط⁣(⁣٥) الهياكل

  فقال الحنطبيّ: إنّك ما علمتك إلَّا دبّابا حول البيت في الظَّلم، مدمنا للطَّواف به في الليل والنهار؛ وقبل شهادته.

  نسبة الصوت المذكور قبل هذا، الذي في حديث إبراهيم بن المهديّ وخبره

  صوت

  أفاض المدامع قتلي كدى ... وقتلي بكثوة لم ترمس


(١) كذا في ب، ح، س. والتوى (وزان الحصى، وقد يمدّكما في «المصباح»): الهلاك. وفي سائر الأصول: «الثوى» بالثاء المثلثة، وهو تصحيف.

(٢) كذا فيء، ط. وفي سائر النسخ: «يسأله حضور الشهادة في مجلسه ليقضي بشهادته إلخ».

(٣) زيادة عن م.

(٤) الحنطبيون: بطن من مخزوم، ينسبون إلى حنطب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم القرشي الصحابي.

(٥) السليط: الزيت وكل دهن عصر من حب.