ذكر ابن هرمة وأخباره ونسبه
  محض مصفّى العروق يحمده ... في العسر واليسر كلّ مرتغب /
  الواهب الخيل في أعنّتها ... والوصفاء الحسان كالذّهب
  مجدا وحمدا يفيده كرما ... والحمد في الناس خير مكتسب
  قال: فلمّا فرغ ابن ربيح، قال السّريّ لابن هرمة: مرحبا بك يا أبا إسحاق! ما حاجتك؟ قال: جئتك عبدا مملوكا. قال: [لا!](١) بل حرّا كريما وابن عمّ، فما ذاك؟ قال: ما تركت لي مالا إلَّا رهنته، ولا صديقا إلَّا كلَّفته - قال أبو يحيى: يقول لي ابن زريق(٢): حتّى كأنّ لي ديّانا وعليه مالا - فقال له السّريّ: / وما دينك؟ قال: سبعمائة دينار. قال: قد قضاها اللَّه ø عنك. قال: فأقام أيّاما، ثم قال لي: قد اشتقت. فقلت له: قل شعرا تشوّق فيه. فقال قصيدته التي يقول فيها:
  أألحمامة(٣) في نخل ابن هدّاج ... هاجت صبابة عاني القلب مهتاج
  أم المخبّر أنّ الغيث قد وضعت ... منه العشار تماما غير إخداج(٤)
  شقّت(٥) سوائفها بالفرش(٦) من ملل ... إلى الأعراف(٧) من حزن وأولاج(٨)
  حتّى كأنّ وجوه الأرض ملبسة ... طرائفا من سدى عصب وديباج
  / وهي طويلة مختارة من شعره، يقول فيها يمدح السّريّ:
  أمّا السّريّ فإنّي سوف أمدحه ... ما المادح الذاكر الإحسان كالهاجي
  ذاك الذي هو بعد اللَّه أنقذني ... فلست أنساه إنقاذي وإخراجي
  ليث بحجر إذا ما هاجه فزع ... هاج إليه بالجام وإسراج
  لأحبونّك مما أصطفي مدحا ... مصاحبات لعمّار وحجّاج
  أسدى الصنيعة من برّ ومن لطف ... إلى قروع لباب الملك ولَّاج
  كم من يد لك في الأقوام قد سلفت ... عند امرئ ذي غنى أو عند محتاج
(١) الزيادة عن «مختار الأغاني» لابن منظور.
(٢) كذا ورد هذا الاسم هنا في جميع الأصول. (انظر ص ٣٨٢ من هذا الجزء).
(٣) في «مختار الأغاني» لابن منظور: «إن الحمامة».
(٤) أخدجت الناقة: ألقت ولدها قبل أوانه لغير تمام الأيام وإن كان تامّ الخلق.
(٥) كذا في م. وشقت: انفطرت عن النبات، أو المراد: شق نباتها؛ فأسند الفعل إلى الأرض على سبيل المجاز؛ يقال: شق النبات يشق شقوقا؛ وذلك أوّل ما تنفطر عنه الأرض. والسوائف: جمع سائفة وهي أرض بين الرمل والجلد أو جانب من الرمل ألين ما يكون. وفي سائر الأصول: «شقت شوائفها».
(٦) الفرش: واد بين غميس الحمام وملل، كما في «معجم البلدان» لياقوت، نزله رسول اللَّه ﷺ حين مسيره إلى بدر. وملل: موضع بين الحرمين؛ سمى بذلك لأن الماشي إليه من المدينة لا يبلغه إلا بعد ملل وجهد. وقد نزله أيضا رسول اللَّه ﷺ حين مسيره إلى بدر.
(٧) الأعارف: جبال باليمامة، كما في ياقوت.
(٨) كذا في م. والحزن: ما غلظ من الأرض. والأولاج: ما غمض من الأرض، واحده: ولجة. وفي سائر الأصول: «من حزن؟»