كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر ابن هرمة وأخباره ونسبه

صفحة 523 - الجزء 4

  تفزع لما الناس فيه! قال: وما هم فيه؟ قال: زلزل بالرّوضة. قال: قد جاءكم الآن إنسان معه مال، وقد / نفضت⁣(⁣١) ما جئتكم به وثقلت⁣(⁣٢) عليه؛ فأردت إدخاله وإخراجي. أيزلزل بروضة من رياض الجنّة ويترك منزلك وأنت تجمع فيه / الرجال على ابنتيك! واللَّه لا عدت إليه! وخرج من عنده.

  وروى هذا الخبر عن الزّبير هارون بن محمد الزيّات فزاد فيه، قال: ثم خرج من عندهم، فأتى عبد اللَّه بن حسن فقال: إنّي قد مدحتك فاستمع منّي. قال: لا حاجة لي بذلك، أنا أعطيك ما تريد ولا أسمع. قال: إذا أسقط ويكسد سوقي⁣(⁣٣). فسمع منه وأمر له بمائتي⁣(⁣٤) دينار؛ فأخذها وعاد إلى الرجل، وقال: قد جئتك بما تنفقه كيف شئت. ولم يزل مقيما عنده حتّى نفدت.

  قصته مع محمد بن عبد العزيز ومحمد بن عمران وغيرهما:

  قال الزّبير: وحدّثني عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن عبد العزيز قال حدّثني عمّي عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال:

  وافينا الحجّ في عام من الأعوام الخالية، فأصبحت بالسّيالة، فإذا إبراهيم بن عليّ ابن هرمة يأتينا؛ فاستأذن على أخي محمد بن عبد العزيز فأذن له؛ فدخل عليه فقال: يا أبا عبد اللَّه، ألا أخبرك ببعض ما تستظرف⁣(⁣٥)؟ قال:

  بلى، وربّما فعلت يا أبا إسحاق. قال: فإنّه أصبح عندنا هاهنا منذ أيام محمد بن عمران وإسماعيل بن عبد اللَّه بن جبير، وأصبح ابن عمران بجملين له ظالعين⁣(⁣٦)، فإذا رسوله يأتيني أن أجب؛ فخرجت / حتى أتيته؛ فأخبرني بظلع جمليه، وقال لي: أردت أن أبعث إلى ناضحين⁣(⁣٧) لي بعمق⁣(⁣٨) لعلي أوتي بهما إلى هاهنا لأمضي عليهما، ويصير هذان الظالعان إلى مكانهما. ففرّغ لنا دارك واشتر لنا علفا واستلنه بجهدك؛ فإنّا مقيمون هاهنا حتى تأتينا⁣(⁣٩) جمالنا.

  فقلت: في الرّحب والقرب، والدّار⁣(⁣١٠) فارغة، وزوجته طالق إن اشتريت عود علف، عندي حاجتك منه. فأنزلته ودخلت إلى السوق، فما أبقيت فيه شيئا من رسل⁣(⁣١١) ولا جداء ولا طرفة ولا غير ذلك إلا ابتعت منه فاخره، وبعثت به إليه مع دجاج كان عندنا. قال: فبينا أنا أدور في السوق إذ وقف عليّ عبد لإسماعيل بن عبد اللَّه يساومني بحمل علف لي، فلم أزل أنا وهو حتّى أخذه منّي بعشرة دراهم، وذهب به فطرحه لظهره. وخرجت عند الرّواح أتقاضى


(١) كذا في م. والذي في «اللسان»: «وأنفض القوم: نفد طعامهم وزادهم مثل أرملوا ... وأنفضوا زادهم أنفدوه ... ونفض القوم نفضا: ذهب زادهم ... وقوم نفض أي نفضوا زادهم». وفي سائر الأصول: «تنضب» وهو تحريف.

(٢) في م: «وثقلت عليكم».

(٣) في «مختار الأغاني»: «شعري».

(٤) في «مختار الأغاني»: «بمائة».

(٥) في م: «ألا أخبرك ببعض ما يستطرف».

(٦) الظالع: الذي يغمز في مشيه.

(٧) الناضح: البعير يستقى عليه، ثم استعمل في كل بعير وإن لم يحمل الماء.

(٨) عمق: ماء ببلاد مزينة من أرض الحجاز، كما في «معجم ما استعجم» للبكري.

(٩) كذا في م. وفي سائر النسخ: «حتى يأتينا».

(١٠) في م: «الدار» بدون واو.

(١١) الرسل (بكسر الراء «: اللبن ما كان. والجداء: جمع جدي، وهو الذكر من أولاد المعز. والطرفة: ما يطرف به الرجل صاحبه ويتحفه به.