ذكر ابن هرمة وأخباره ونسبه
  العبد ثمن حملي، فإذا هو لإسماعيل بن عبد اللَّه ولم أكن دريت. فلما رآني مولاه حيّاني ورحّب بي، وقال: هل من حاجة يا أبا إسحاق؟ فأعلمه العبد أنّ العلف لي. فأجلسني فتغدّيت عنده، ثم أمر لي مكان كلّ درهم منها بدينار، وكانت معه زوجته فاطمة بنت عبّاد، فبعثت إليّ بخمسة دنانير. قال: وراحوا، وخرجت بالدنانير ففرّقتها على غرمائي، وقلت: عند ابن عمران عوض منها. قال: فأقام عندي ثلاثا، وأتاه جملاه، فما فعل بي شيئا. فبينا هو يترحّل وفي نفسه منّي ما لا أدري به، إذ كلَّم غلاما له بشيء فلم يفهم. فأقبل عليّ فقال: ما أقدر على إفهامه مع قعودك عندي، قد واللَّه آذيتني ومنعتني(١) ما أردت. فقمت مغتمّا بالذي قال؛ حتّى إذا كنت على باب الدار لقيني إنسان / فسألني: هل فعل إليك(٢) شيئا؟ فقلت: أنا واللَّه بخير إذ تلف(٣) مالي وربحت بدني. قال: وطلع عليّ وأنا أقولها، فشتمني واللَّه يا أبا عبد اللَّه حتّى ما أبقى لي، وزعم أنّه لولا إحرامه لضربني؛ وراح وما أعطاني درهما.
  فقلت:
  يا من يعين على ضيف ألمّ بنا ... ليس بذي(٤) كرم يرجى ولا دين
  أقام عندي ثلاثا سنّة سلفت ... أغضيت منها على الأقذاء والهون(٥)
  مسافة البيت عشر غير مشكلة ... وأنت تأتيه في شهر وعشرين
  / لست تبالي فوات الحجّ إن نصبت ... ذات الكلال وأسمنت ابن حرقين(٦)
  تحدّث النّاس عمّا فيك من كرم ... هيهات ذاك لضيفان المساكين
  أصبحت تخزن ما تحوي وتجمعه ... أبا سليمان من أشلاء(٧) قارون
  مثل ابن عمران آباء له سلفوا ... يجزون فعل ذوي الإحسان بالدّون
  ألا تكون كإسماعيل إنّ له ... رأيا أصيلا وفعلا غير ممنون
  أو مثل زوجته فيما ألمّ بها ... هيهات من أمّها ذات النّطاقين(٨)
  فلمّا أنشدها قال له محمد بن عبد العزيز: نحن نعينك يا أبا إسحاق؛ لقوله: «يا من يعين». قال: قد رفعك اللَّه عن العون الذي أريده، ما أردت إلَّا رجلا / مثل عبد اللَّه بن خنزيرة وطلحة أطباء الكلبة يمسكونه لي وآخذ خوط سلم فأوجع به خواصره وجواعره. قال: ولمّا بلغ في إنشاده إلى قوله:
  مثل ابن عمران آباء له سلفوا
(١) في م: «قد واللَّه آذيتني ومنعني مكانك معي مما أردت».
(٢) كذا في م. وفي سائر الأصول: «هل فعل إليّ شيئا».
(٣) في م: «أنا واللَّه بخير أن تلف ...» وكلتا العبارتين صحيحة.
(٤) في م: «فليس ذا كرم ...».
(٥) في ح: ... على الأقذاء في عيني».
(٦) كذا في أكثر الأصول. وفي: ح: «ابن حرفين» بالفاء.
(٧) لعله يريد: من بقايا قارون، أو لعلها محرفة عن «أسلاب».
(٨) ذات النطاقين: أسماء بنت أبي بكر الصديق؛ سميت بذلك لأن رسول اللَّه ﷺ قال لها: «أنت ونطاقاك في الجنة». وقد دخل هذا الشعر السناد، وهو أن يخالف الشاعر بين الحركات التي تلي الأرداف في الرويّ.