1 - ذكر النابغة الجعدي ونسبه وأخباره
  كليب لعمري كان أكثر ناصرا ... وأيسر جرما منك ضرّج بالدّم
  رمى ضرع ناب(١) فاستمرّ بطعنة ... كحاشية البرد اليماني المسهّم(٢)
  وما يشعر الرمح الأصمّ كعوبه ... بثروة(٣) رهط الأبلخ(٤) المتظلَّم
  / وقال لجسّاس أغثني بشربة ... تفضّل بها طولا عليّ وأنعم
  فقال تجاوزت الأحصّ(٥) وماءه ... وبطن شبيث وهو ذو مترسّم(٦)
  كليب وائل ومقتله وحرب البسوس وما قيل فيها من الشعر:
  وكان السبب(٧) في قتل كليب بن ربيعة - فيما ذكره أبو عبيدة عن مقاتل الأحول بن سنان بن مرثد بن عبد بن عمرو بن بشر بن عمرو بن مرثد أخي بني قيس بن ثعلبة، ونسخت بعضه من رواية الكلبيّ، وأخبرنا به محمد بن العباس اليزيديّ عن عمّه عبيد اللَّه عن ابن حبيب عن ابن الأعرابيّ عن المفضّل، فجمعت من روايتهم ما احتيج إلى ذكره مختصر اللفظ كامل المعنى - أنّ كليبا كان قد عزّ وساد في ربيعة فبغى بغيا شديدا، وكان هو الذي ينزلهم منازلهم ويرحّلهم، ولا ينزلون ولا يرحلون إلا بأمره. فبلغ من عزّه وبغيه أنه اتخذ جرو كلب(٨)، فكان إذا نزل منزلا به كلَّا قذف ذلك الجرو فيه فيعوي، فلا يرعى أحد ذلك الكلأ إلا بإذنه، وكان يفعل هذا بحياض الماء، فلا يردها أحد إلا بإذنه أو من آذن بحرب؛ / فضرب به المثل في العزّ، فقيل: «أعزّ من كليب وائل» وكان يحمي الصيد، ويقول: صيد ناحية كذا وكذا في جواري؛ فلا يصيد أحد منه شيئا؛ وكان لا يمرّ بين يديه أحد إذا جلس، ولا يحتبي أحد في مجلسه غيره؛ فقتله جسّاس بن مرّة.
  وقال أبو عبيدة: قال أبو(٩) برزة القيسيّ وهو من ولد عمرو بن مرثد:
(١) الناب: الناقة المسنة.
(٢) المسهم: المخطط بصور على شكل السهام، وفي حديث جابر: أنه كان يصلي في برد مسهم أخضر، أي فيه وشي كالسهام.
(٣) في رواية: «بنزوة ...» كما في كتاب «الموشح».
(٤) كذا في ط، ء «والموشح» للمرزباني. والأبلخ (بالخاء المعجمة في آخره): العظيم في نفسه الجرئ على ما أتى من الفجور.
والمتظلم: الذي يظلم الناس حقوقهم، وهذا الوصف هو الذي يناسب كليبا لعتوّه. وفي باقي الأصول: «الأبلج المتوسم» بالجيم.
والمتوسم: المتحلى بسمة الشيوخ.
(٥) سيذكر أبو الفرج في سياق هذا الخبر أن الأحص وشبيثا نهيان (النهي: الغدير)، وفي «القاموس» أنهما موضعان بنجد. وفي كتاب «معجم ما استعجم» أن الأحص واد، وأن شبيثا ماء معروف لبني تغلب. وهذا النظم للنابغة مأخوذ من قول جساس حين طعن كليبا فقصم صلبه فوقع كليب وهو يفحص برجله ثم قال لجساس: «أغثني بشربة»، فقال له جساس: «تجاوزت شبيثا والأحص»، يعني:
ليس هذا وقت طلب الماء. وقد صار فيما بعد مثلا يضرب لمن يطلب شيئا في غير وقته. ولفظ المثل في الميداني «تخطى إليّ شبيثا والأحص».
(٦) المترسم: موضع الماء لمن طلبه (عن «معجم ما استعجم»).
(٧) إلى هنا ينتهي حديث المؤلف عن النابغة الجعدي ثم استطردّ إلى كلام عن حرب بكر وتغلب وما كان بين كليب وجساس بمناسبة ذكرهما في شعر النابغة من غير أن يعقد لذلك عنوانا خاصا. ولذلك وضعنا هذه النجوم للدلالة على الفصل بين الخبرين ووضعنا في أعلى الصفحة عنوان [رب بكر وتغلب] بين قوسين مربعين للإشارة إلى أنه زيادة من عندنا ولم يضعه المؤلف.
(٨) كان اسم «كليب» «وائلا». وسبب تسميته «بكليب» أنه كان عنده كليب - تصغير كلب، وهو ما عبر عنه هنا «بجرو كليب» - يرمي به فحيث بلغ عواء هذا الكليب كان حمى لا يرعى؛ ومن ذلك قيل المثل: «أعز من كليب وائل». ثم غلب هذا الاسم عليه حتى ظنوه اسمه. (انظر كتاب «مجمع الأمثال» للميدانيّ).
(٩) في ط، ء: «أبو بردة» بالدال المهملة، وكذلك ورد هذا الاسم فيهما في كل المواضع التي سيذكر فيها فيما بعد.