كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

1 - ذكر النابغة الجعدي ونسبه وأخباره

صفحة 25 - الجزء 5

  ويخبر عنّي ما أقول ابن عامر ... ونعم الفتى يأوي إليه المعصّب⁣(⁣١)

  / فإن تأخذوا أهلي ومالي بظنّة ... فإنّي لحرّاب الرجال محرّب⁣(⁣٢)

  صبور على ما يكره المرء كلَّه ... سوى الظلم إني إن ظلمت سأغضب

  فالتفت معاوية إلى مروان فقال: ما ترى؟ قال: أرى ألَّا تردّ عليه شيئا؛ فقال: ما أهون واللَّه عليك أن ينجحر هذا في غار ثم يقطع عرضي عليّ ثم تأخذه العرب فترويه، أمّا⁣(⁣٣) واللَّه إن كنت لممن يرويه! أردد عليه كلّ شيء أخذته منه. وهذا الشعر يقوله النّابغة⁣(⁣٤) الجعديّ لعقال بن خويلد العقيليّ يحذّره غبّ الظلم لمّا أجار بني وائل بن معن، وكانوا قتلوا رجلا من جعدة، فحذّرهم مثل حرب البسوس إن أقاموا على ذلك فيهم.

  شعره في عقال بن خويلد وسببه:

  قال أبو عمرو الشّيبانيّ: / كان السبب في قول الجعديّ هذه القصيدة أن المنتشر الباهليّ خرج فأغار على اليمن ثم رجع مظفّرا. فوجد بني جعدة قد قتلوا ابنا له يقال له سيدان⁣(⁣٥)، وكانت باهلة في بني كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ثم في بني جعدة، فلمّا أن علم ذلك المنتشر وأتاه الخبر أغار على بني جعدة ثم على بني سبيع في وجهه ذلك، فقتل منهم ثلاثة نفر؛ فلما فعل ذلك تصدّعت باهلة، فلحقت فرقة منهم يقال لهم بنو وائل بعقال بن خويلد العقيليّ، ولحقت فرقة أخرى يقال لهم بنو قتيبة وعليهم حجل الباهليّ بيزيد بن عمرو بن الصّعق الكلابيّ، فأجارهم يزيد، وأجار عقال وائلا. فلما رأت بنو ذلك بنو جعدة أرادوا قتالهم، فقال لهم عقال: لا تقاتلوهم / فقد أجرتهم؛ فأمّا أحد الثلاثة القتلى منكم فهو بالمقتول، وأمّا الآخران فعليّ عقلهما⁣(⁣٦)؛ فقالوا: لا نقبل إلا القتال ولا نريد من وائل غيرا⁣(⁣٧) (يعني الدية)؛ فقال: لا تفعلوا فقد أجرت القوم؛ فلم يزل بهم حتى قبلوا الدية. وانتقلت وائل إلى قومهم. فقال النابغة في ذلك قصيدته التي⁣(⁣٨) ذكر فيها عقالا:

  فابلغ عقالا أنّ غاية داحس⁣(⁣٩) ... بكفّيك فاستأخر لها أو تقدّم

  تجير علينا وائلا في دمائنا⁣(⁣١٠) ... كأنك عما ناب⁣(⁣١١) أشياعنا⁣(⁣١٢) عم


(١) المعصب هو الذي عصبته السنون أي أكلت ماله، والمعصب أيضا: الذي يعصب بطنه بالخرق من الجوع.

(٢) كذا في أكثر الأصول. وحربه: أغضبه، يريد أن يصف نفسه بأنه شديد الكيد والنكاية وفي ب، س: «مجرب» بالجيم.

(٣) في ط، ء: «أم واللَّه» ويكون معناها الإضراب مثل «بل».

(٤) في ب، س، ح: «نابغة الجعديّ» بدون أل.

(٥) في ط، ء: «سذان» وفي م: «سيدار».

(٦) العقل: الدية.

(٧) الغير (وزان عنب): قيل: إنه مفرد جمعه أغيار، وقيل: هو جمع غيرة (بالكسر) وهي الدية.

(٨) عبارة ط، ء: ... قصيدته وهذه الأبيات التي ذكر فيها عقالا منها».

(٩) داحس: اسم فرس أضيفت إليه حرب كانت بين عبس وذبيان، وهي حرب داحس، وذلك أن قيس بن زهير صاحب داحس تراهن هو وحذيفة بن بدر على عشرين بعيرا وجعلا الغاية مائة غلوة والمضمار أربعين ليلة، فأجرى قيس داحسا والغبراء، وحذيفة الخطار والحنفاء، فوضعت بنو فزارة رهط حذيفة كمينا في الطريق فردوا الغبراء ولطموها وكانت سابقة، فهاجت الحرب بين عبس وذبيان أربعين سنة (عن «القاموس» مادّة دحس). والنابغة يهدّد عقالا في هذه القصيدة بحرب كحرب داحس.

(١٠) في ط: «بدمائنا».

(١١) في ح وهامش ط و «الموشح» للمرزباني: «نال» باللام.

(١٢) في كتاب «الموشح» للمرزباني: «أشياعها»، ويكون المعنى على هذه الرواية أن النابغة يهدّد عقالا ويحذره ما أصاب وائلا منهم من بأس.