كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

2 - حرب بكر وتغلب

صفحة 28 - الجزء 5

  برزة: بل عمرو ابن أبي ربيعة - وطعن عمرو كليبا فحطم صلبه؛ وقال أبو برزة: فسكت جسّاس، / حتى ظعن⁣(⁣١) ابنا وائل؛ فمرّت بكر بن وائل على نهي⁣(⁣٢) يقال له شبيث فنفاهم كليب عنه وقال: لا يذوقون منه قطرة، ثم مرّوا على نهي آخر يقال له الأحصّ فنفاهم عنه وقال: لا يذوقون منه قطرة؛ ثم مرّوا على بطن الجريب⁣(⁣٣) فمنعهم إيّاه؛ فمضوا حتى نزلوا الذّنائب⁣(⁣٤)، واتّبعهم كليب وحيّه حتى نزلوا عليه؛ ثم مرّ عليه جسّاس وهو واقف على غدير الذنائب فقال: طردت أهلنا عن المياه حتى كدت تقتلهم عطشا! فقال كليب: ما منعناهم من ماء إلا ونحن له شاغلون؛ فمضى جسّاس ومعه ابن عمه المزدلف. وقال بعضهم: بل جسّاس ناداه فقال: هذا كفعلك بناقة خالتي؛ فقال له: أو قد ذكرتها! أما إني لو وجدتها في غير إبل مرّة لاستحللت تلك الإبل بها. فعطف عليه جسّاس فرسه فطعنه برمح فأنفذ حضنيه⁣(⁣٥)؛ فلما تداءمه⁣(⁣٦) الموت قال: يا جسّاس اسقني من الماء؛ قال: ما عقلت استسقاءك الماء منذ ولدتك أمّك إلا ساعتك هذه!. قال أبو برزة: / فعطف عليه المزدلف⁣(⁣٧) عمرو بن أبي ربيعة فاحتزّ رأسه.

  وأمّا مقاتل فزعم أن عمرو بن الحارث بن ذهل الذي طعنه فقصم صلبه. [قال]⁣(⁣٨): وفيه يقول مهلهل:

  قتيل ما قتيل المرء عمرو ... وجسّاس بن مرّة ذو ضرير⁣(⁣٩)

  / وقال العباس بن مرداس السّلميّ يحذّر كليب⁣(⁣١٠) بن عهمة السّلميّ ثم الظَّفريّ لما مات حرب بن أمية وخنقت الجنّ مرداسا وكانوا شركاء في القرية⁣(⁣١١) فجحدهم كليب حظَّهم منها - وسنذكر خبر ذلك في آخر هذه الأخبار إن شاء اللَّه تعالى - فحذّره غبّ الظلم فقال:

  أكليب مالك كلّ يوم ظالما ... والظلم أنكد وجهه ملعون


(١) كذا في ب. وفي سائر الأصول: «طعن» بالطاء المهملة.

(٢) النهي (بالكسر في لغة أهل نجد، وغيرهم يقوله بالفتح): الغدير، وهو أيضا الموضع الذي له حاجز ينهي الماء أن يفيض منه.

(٣) الجريب: واد عظيم بين أجلي وبين الذنائب وجبر، تجيء أعاليه من قبل اليمن حتى يصب في الرمة. والرمة: فضاء به أودية كثيرة بأرض نجد. قال الهمداني: هذا الجريب جريب نجد، وفي تهامة جريب آخر. (عن «معجم ما استعجم» و «معجم البلدان» لياقوت).

(٤) الذنائب: موضع بنجد.

(٥) الحضن: ما دون الإبط إلى الكشح.

(٦) تداءمه: تراكم عليه وتزاحم.

(٧) في الأصول: ... المزدلف بن عمرو بن أبي ربيعة» بزيادة كلمة «ابن» وهو تحريف. (راجع الحاشية رقم ٨ ص ٣٥ من هذا الجزء).

(٨) زيادة عن ط، ء، م.

(٩) الضرير: الشدة، ويقال: فلان ذو ضرير إذا كان ذا صبر على الشرّ ومقاساة له. وذو ضرير هنا صفة لقتيل.

(١٠) كذا ورد هذا الاسم في جميع الأصول هنا وكتاب «النقائض» (ص ٩٠٧). وورد في الأصول التي بين أيدينا من «الأغاني» في أول أخبار أبي سفيان التي تقع في ج ٦ ص ٩٢ طبع بولاق: «كليب بن أبي عهمة السلميّ».

(١١) ذكر أبو الفرج في ج ٦ ص ٩٢ وج ٢٠ ص ١٣٥ طبع بولاق: أن حرب بن أمية لما انصرف من حرب عكاظ هو وأخوته مرّ بالقرية وهي إذ ذاك غيضة شجر ملتف لا يرام، فقال له مرداس بن أبي عامر: أما ترى هذا الموضع؟ قال بلى؛ قال: نعم المزدرع هو، فهل لك أن نكونا شريكين فيه ونحرق هذه الغيضة ثم نزدرعه بعد ذلك؟ قال نعم؛ فأضرما النار في الغيضة، فلما استطارت وعلا لهبها سمع من الغيضة أنين وضجيج كثير ثم ظهرت منها حيات بيض تطير حتى قطعتها وخرجت منها، فلم يلبث حرب بن أمية ومرداس بن أبي عامر أن ماتا، فأما مرداس فدفن بالقرية، ثم ادّعاها بعد ذلك كليب بن أبي عهمة السلمي ثم الظفري. وقال أبو الفرج عند إيراده هذا الخبر في ذلك الموضع: «وهذا شيء قد ذكرته العرب في أشعارها وتواترت الرواية بذكره، فذكرته، واللَّه أعلم».