كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

4 - ذكر عبيد الله بن قيس الرقيات ونسبه وأخباره

صفحة 55 - الجزء 5

  إلا الذي أورثت كثيرة في ال ... قلب وللحبّ سورة عجب حتى قال فيها:

  إنّ الأغرّ الذي أبوه أبو ال ... عاصي عليه الوقار والحجب

  يعتدل التاج فوق مفرقه ... على جبين كأنه الذهب

  فقال له عبد الملك: يا بن قيس تمدحني بالتاج كأني من العجم وتقول في مصعب:

  إنما مصعب شهاب من ال ... لَّه تجلَّت عن وجهه الظلماء

  ملكه ملك عزّة ليس فيه ... جبروت منه ولا كبرياء

  أمّا الأمان فقد سبق لك، ولكن واللَّه لا تأخذ مع المسلمين عطاء أبدا!. قال: وقال ابن قيس الرقيّات لعبد اللَّه بن جعفر: ما نفعني أماني، تركت حيّا كميت لا آخذ مع الناس عطاء أبدا؛ فقال له عبد اللَّه بن جعفر: كم بلغت من السنّ؟ قال: ستين سنة؛ قال: فعمّر نفسك؛ قال: عشرين سنة من ذي قبل⁣(⁣١)؛ / فذلك ثمانون سنة؛ قال: كم عطاؤك؟ قال: ألفا درهم؛ فأمر له بأربعين ألف درهم، وقال: ذلك لك عليّ إلى أن تموت على تعميرك نفسك؛ فعند ذلك قال عبيد اللَّه بن قيس الرقيّات يمدح عبد اللَّه بن جعفر:

  نقدّت بي الشّهباء نحو ابن جعفر ... سواء عليها ليلها ونهارها⁣(⁣٢)

  تزور امرأ قد يعلم اللَّه أنه ... تجود له كفّ قليل غرارها

  أتيناك نثني بالذي أنت أهله ... عليك كما يثني على الروض جارها

  فو اللَّه لولا أن تزور ابن جعفر ... لكان قليلا في دمشق قرارها

  إذا متّ لم يوصل صديق ولم تقم ... طريق من المعروف أنت منارها

  ذكرتك أن فاض الفرات بأرضنا ... وفاض بأعلى الرّقّتين⁣(⁣٣) بحارها

  وعندي مما خوّل اللَّه هجمة⁣(⁣٤) ... عطاؤك منها شولها وعشارها

  مباركة كانت عطاء مبارك ... تمانح⁣(⁣٥) كبراها وتنمي صغارها


(١) يقال: أفعل ذلك من ذي قبل (وزان سبب وعنب): أي أفعله في المستقبل.

(٢) سيشرح أبو الفرج بعض هذا الشعر فيما يأتي.

(٣) كذا في ديوانه ص ١٦٤ طبع أوروبا و «معجم البلدان» (ج ٢ ص ٧٩٩، ٨٠١) وكذلك صححه الأستاذ الشنقيطي بنسخته. والرقتان يراد بهما الرقة والرافقة، كما يقال العراقان للبصرة والكوفة. والرقة: مدينة مشهورة على الفرات بينها وبين حرّان ثلاثة أيام.

والرافقة: بلد متصل البناء بالرقة يقع على الفرات أيضا بينه وبين الرقة ثلاثمائة ذراع. وفي الأصول: «الرقمتين» بزيادة ميم، وهو تحريف.

(٤) الهجمة من الإبل: أولها أربعون إلى ما زادت أو ما بين السبعين إلى المائة. والشول: جمع شائلة وهي من الإبل ما أتى عليها من يوم نتاجها سبعة أشهر أو ثمانية فارتفع ضرعها وخف لبنها، والعشار: جمع عشراء - بضم العين وفتح الشين كنفساء ونفاس ولا ثالث لهما في اللغة - وهي التي مضى لحملها عشرة أشهر.

(٥) ما نحت الناقة: درّت في الشتاء بعد ما ذهبت ألبان الإبل.